أريد أن أجاهد معك، فقال: أمسلمٌ أنت أم مشرك؟ فقال: مشرك، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا أرغب في المشركين " فردّه. قلنا: تمام الحديث " أنه عاد ثانياً، وذكر مثلَ ما ذكر أولاً، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك وردّه، فلما عاد الثالثة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسلم أنت أم مشرك؟ فقال: مسلم، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم " (?)، والغالب أنه توسّم فيه الميلَ إلى الدين، وكان يردّه رجاء أن يسلم، فتحققت فراستُه وصدق، فكان ما جرى من المرادّة محمولاً على تحصيل هذا المعنى.
ثم جوّز أئمتنا الاستعانة بالمشركين على التفصيل المقدّم، ولم يجوّزوا استصحاب المخذِّل قط، فإنا قد نظن ظناً ظاهراً أن الكفار يذبّون عن مساكنهم في الإسلام وديارهم، فإذا كانوا تحت قهرنا على ما فصلنا، لم يمتنع الاستعانة بهم. وأما المخذل، فلا خير فيه، وهو ضرر كله.
11313 - ثم ذكر الشافعي جوازَ استئجار المشرك على القتال. وقد ذكرنا طرفاً صالحاً من هذا. ولكنا نعيد الفصل، ونَزيدُ أموراً، ونتدارك أطرافاً في الكلام لا بد من التعرّض لها. فنقول: أما الاستئجار، فجوازه مبني على أن الجهاد لا يقع عن الكافر، وإنما المانع من استئجار المسلم على الجهاد أن الجهاد يقع عنه، فيبعد استئجاره على فعلٍ يقع عنه، وقد ذكرنا الكلام على إطلاق الأصحاب القولَ بأن للإمام أن يستأجر المسلمين على الجهاد، وتكلمنا عليه بما ينبغي.
11314 - وهذا الفصل مقصور على استئجار أهل الذمة: فلا امتناع إذاً من الجهة التي ذكرناها في المسلم، ولكن قد يعترض نوع آخر من الإشكال، وهو أن الاستئجار إنما يصح إذا كانت الأعمال مضبوطة، وما يشتمل عليه القتال من الأعمال ليس مضبوطاً، ولأجل هذا المعنى اضطرب أصحابنا، فقال قائلون: هذه جعالة، وقال