والأصل فيه ما روي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إني أريد أن أجاهد معك، فقال صلى الله عليه وسلم: " ألك أبوان؟ فقال: نعم. قال: فكيف تركتهما؟ قال: تركتهما وهما يبكيان. قال: ارجع إليهما، وأضحكهما كما أبكيتهما " وفي بعض الروايات: " ففيهما فجاهد " (?). وهذا الذي ذكرناه متفق عليه، وهذا محتوم ليس من قبيل الاستحباب، فلا بدّ من رضا الوالدين إن كانا مسلمين.
فأما إذا كانا مشركين، لم يفتقر الخروج إلى الجهاد إلى إذنهما؛ لأنه يجاهد أهل دينهما. وقد قال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15]؛ مَنَع من طاعتهما في أصل الشرك، وكذلك الجهاد مع أهل الشرك. وقد غزا أبو حذيفة عبدُ الله بنُ عتبة بنِ ربيعة، مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوه كان كافراً من كبار قريش، ولا شك أنه كره ذلك. وغزا عبد الله بنُ أبي بنِ سلول مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى كراهةُ أبيه؛ فإنه كان يخذّل [الأجناد] (?)، حتى خذل ثلث الجند عام أحد، فكيف كان يرضى بخروج ابنه.
هذا قولنا في سفر الغزو الواقع فرض كفاية، فأما إذا استجمع الابن الأوصاف المعتبرة في استطاعة الحج، فلا خلاف أنه يجوز له الخروج، وإن سخط أبواه؛ فإنه منتهض لسفرة متعينة عليه، وليست سفرة الموت، وإن كان وقوع الموت متوقعاً في كل نفس.
11285 - فأما الخروج لطلب العلم، فسنذكر تفصيلاً في طلب العلم، ولكن ننجز هاهنا ما يتعلّق بالسفر، حتى تجري الأسفار في نظام التفصيل الذي نريده.