في كتابه، وفيه أنه قال: "لسُبع ونصف بقي من الليل في الشتاء، ولسبع بقي في الصيف".
وعندي أن هذا ليس تحديداً، وإِنّما هو تقريب، والمعتبر فيه على التقريب أَنَّ وقت هذه الصلاة يوافي الناس وهم في غفلةٍ، وللشرع اعتناء بالحث على أول الوقت، فلو صادف التأذين أولَ الوقت، فإِلى أن ينتبه النائم وينهض ويلبس ويستنجي ويتوضأ، يفوته أول الوقت، فقدم التأذين بقدر ما إِذا فُرض التهيؤ أمكن مصَادفة أول الصبح، وهو يقرب من السبُع ونصف السبُع، ولاشك أن ذلك ليس بحد على هذا الوجهِ الذي نفرعّ عليه، وإِنما يشترط هذا القائل التقريب. ولا نعتد بالأذان إِذا فرض بُعدٌ مفرط عن الصبح؛ لأنه دعاء إِلى صلاة الصبح، فينبغي أن يكون قريباً منها.
وذكر الشيخ أبو علي في شرح التلخيص وجهاً رابعاً بعيداً، أنه يجوز الأذان للصبح في جميع الليل اعتباراً له بنية الصوم، فكما يعم جوازُ نية الصوم للغد جميعَ الليل، فكذلك القول في الأذان للصبح، ولولا عُلُوُّ قدر الحاكي، وأنه لا ينقل في الشرحين (?) إِلا ما صح وتنقح عنده، لما كنت بالذي يستجيز نقل هذا. وكيف يحسن الدعاء لصلاة الصُّبح في وقت الدعاء إِلى صلاة المغرب، وإِلى صلاة العشاء، والسَّرَف في كُلّ شيء مُطَّرَح. ثم لو اكتفى المؤذّنُ للصُّبح بالتأذين قبل الصبح، جاز.
ولا شك أنه لا يعتد بالإِقامة إِلا بعد طلوع الفجر.
والأولى أن يكونَ في المسجد مؤذنان: يؤذن أحدهما قبل الفجر، ويؤذن الثاني بعد طلوع الفجر، وهكذا كان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإِن بلالاً كان يؤذن بليل، وابن أم مكتوم كان يؤذن إِذا طلع الفجر، ثم كان يقيم بلال عند قيام الصلاة.
قال شيخنا أبو بكر: إِن لم يكن في المسجد مؤذنان، فينبغي أن يؤذن المؤذن مرتين، مرة قبل الفجر، ومرة بعده، وإِن أراد الاقتصار على مرة واحدة، فالأولى أن يؤذن بعد الصبح. هذا ما قطع به في طريق الأوْلى، وهو مقطوع به لاشك فيه.