وهذه الصورة إذا ضمت إلى الأولى انتظم منهما ثلاثة أوجه: أحدها - جواز القصد، والثاني - منع القصد مطلقاً، وإن لم ينته النظر إلى حرم، والثالث - الفصل بين أن يكون في الدار حرم، وبين ألا يكون.
11254 - ثم إذا نظر الناظر حيث يجوز قصد عينه، فلا فرق بين أن يكون وقوفه في الشارع، أو في سكة منسدّة، أو يكونَ في ملكه الخالص، يعني ملك الناظر؛ فإن الجناية المردودة هي النظر، والنظر إذا امتدّ لم يختلف الأمر باختلاف موقف الناظر، ولا اعتذار له إذا ترك بصره منسرحاً إلى حرم غيره، بأن يقول: إني واقفٌ في ملكي، فيقال: فانظر إلى ملكك، وغُضَّ بصرك عن حرم الناس.
11255 - ثم ما صار إليه الأئمة في الطرق أن النظر إذا استجمع الشرائط التي ذكرناها، فيجوز قصدُ عين الناظر من غير تقديم إنذار، وفي الخبر ما يدلّ على ذلك؛ فإنا روينا أنه صلى الله عليه وسلم كان يخاتل الناظر يرمي (?) عينه بالمدرى؛ وفيه طرف من المعنى يليق بتمهيد الأصول، وهو أن الغرض من جواز قصد العين المنعُ من النظر، فإذا كان المنظور إليه يقدّم النذير، فينتحي الناظر، ثم يعود وقد قضى وطره من النظر بالنظرة الأولى.
وقال القاضي: الذي أراه أنه ينذره، ويزجره عن النظر أولاً، ويجب ذلك، فإن لم ينزجر، قصدَ عينَه حينئذٍ. وهذا عند القاضي خارج على قياس الدفع؛ فإنه مبني على التدريج، والبداية بالأهون، فالأهون.
وهذا الذي ذكره، وإن كان منقاساً، فليست المسألة مدارة على القياس، وإنما المتبع الأخبار، ولا تفصيل فيها، بل في بعضها ما يدل على جواز القصد من غير تقديم إنذار كما قدّمناه.
قال صاحب التقريب في غير النظر: كل من قصد أمراً يسوغ دفعه عنه، فهل يجب على المصول عليه أن يقدم إنذاره أم يبتدىء الدفعَ فعلاً؟ من غير تقديم إنذار بالقول؟