قيل: لَمْ يقف بعضُ العلماء في التعزيرات على موقف، حتى رأى مالكٌ (?) القتلَ تعزيراً، وهذا [يوافق ظن مَنْ] (?) لا يدق نظره إلى الإيالة التامة؛ فإن الهَنة التي تصدر من آحاد الناس في الخطر لا يدرؤها جلدات نكال، سيّما وقد بعد العهد، وتمادى الزمن، ولا يزداد المستأخرون إلا شرّاً.
قلنا: لا مزيد على ما ذكرناه. والسؤال (?) برعاية الإمام وكلاءته؛ فإنه إن أحسن إقامة الضوابط، وألزم نفسه الاطلاعَ، ومهَّد طرقَ تقاذف الأخبار إليه، وعضد كلَّ قُطرٍ بقوّامٍ به، وتقدم إلى أصحاب الأعمال، إذا بدا من الناس ما يستوجبون الآداب به أن يعزّروا، ولا يتسامحوا، وإن تكررت الهَنات تكررت الجلدات، فهذا كافٍ، وإنما الشرّ كله في الإهمال، وقطع عين المراقبة عن الناس، وإن تألّبت طائفة، وسلّت يدها عن الطاعة، رُدّت إلى الطاعة بغرار (?) السيوف.
ولو كانت قضايا الشرع تختلف باختلاف الناس، وتناسخ العصور، لانحلّ رباط الشرع، ورجع الأمر إلى ما هو المحذور من اختصاص كل عصر ودهر برأي. وهذا يناقض حكمةَ الشريعة في حمل الخلق على الدعوة الواحدة، ولما ذكر صاحب التقريب مقالات الأصحاب في التعزيرات ومبالغها روى عن أبي بُردة بن نِيار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يجلد فوق العشرة إلا في حدّ " (?). قال صاحب التقريب: هذا خبرٌ صحيح، لو [بلغ الشافعي] (?)، لقال به، وقد صح من أقوال الشافعي أن من يبلغه مذهبٌ منه، ويصح عنده خبر على خلافه، فحق عليه أن يتّبع الخبر، ويعتقدَ أنه مذهبُ الشافعي؛ فإنّ كل ما أطلقه في المسائل مقيد باستثناء