وسبب هذا أن الإقدام على القطع يحوج إلى نظرٍ دقيق لا يصدر إلا من شفيق متناهٍ في الشفقة، وهذا يضاهي الاستصلاح بالتزويج، فأب الأب يزوّج ابنته البكر استصلاحاً، وإن كان يوقعها في رق الأبد، ويزوّج من طفله. والسلطان لا يملك ذلك؛ فإن التزويج يحتاج إلى نظرٍ دقيق مفوّض إلى الولي الخاص الشفيق، فإذا تصوّرت الصورة، فتمام القول أنا حيث نجوّز للرجل القطع [أي] (?) يقطع من نفسه نجوّز للولي أن يقطع من طفله، وحيث لا، فلا. وقد ذكرتُ تردّداً عند استواء الخوفين من أن الإنسان هل يقطع من نفسه، ولعل الأظهر هاهنا ألا يقطع من طفله، والعلم عند الله تعالى.
11230 - ونحن ننعطف بعد هذا التصوير إلى أمور في الضمان، أما المستقل إذا أمر الغيرَ بالقطع منه، فقطع، وأفضى إلى الهلاك، فقد قال الأئمة: لا ضمان على القاطع المأمور، وهذا فيه إذا كان القطع جائزاً، وليس كما لو أباح يده، أو أمر بقطعها، فقطعها إنسان، وأفضى القطع إلى الهلاك، فإن في ضمان النفس قولان تقدم ذكرهما، والفرق أن القطع المسوَّغ لغرضٍ يستحيل أن يجرّ ضماناً على القاطع المأمور، ولو قيل هذا، لامتنع القاطعون من القطع. وأما إباحة اليد، فلا غرض فيها، والقطع محرم في نفسه.
وأما الإمام إذا قطع من صبيٍّ سلعة حيث قلنا: لا يجوز له قطعها، فقد قال الأصحاب: تجب الدية، وفي القود قولان، وإن كان يجوز للأب القطع في هذا المقام؛ لأنه قطع قطعاً لا تقتضيه ولايته؛ فصار كالقطع من بالغ. ثم قيل: إذا لم نوجب القود، فالدية في ماله، وهذا هو الظاهر، وسبيله كسبيل من قتل إنساناً على زيّ مشرك في ديار الإسلام حسبه كافراً، وكان مسلماً، ففي وجوب القود قولان، والمذهب أنا إذا أوجبنا الدية، لم نضربها على العاقلة، وقد قدّمتُ في ذلك فصلاً حاوياً مشبِعاً.
وإذا قلنا: للأب أن يقطع، فالذي أطلقه الأصحاب قاطبة أنه إذا قطع وأفضى إلى