العصر في اليوم الأول حين ابتدأ المثل الثاني متصلاً بانقضاء المثل الأول، فحسنٌ أن يقال: صلى حين صار ظل كل شيء مثلَه، فكانت إِحدى العبارتين مشيرة إِلى آخر المثل، والثانية إِلى الزمان المتصل بالآخر، واحتمال هذا في اللفظين مع إِمكانه وانسياغه في اللسان أمثلُ من التزام الاشتراك، والخروجِ عن مقصود الوقت المؤقّت في فصل أواخر المواقيت عن أوائل ما يعاقبها ويليها.
فهذا بيان تأسيس مذهب الشافعي في ذلك، وليس ما ذكره بِدْعاً؛ الله تعالى ذكر بلوغ الأجل في العدة، وعَنى الإِشراف على الانقضاء، فقال: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] معناه: "فراجعوهن" وذكر البلوغ في آية أخرى وأراد الانقضاء، فقال تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} (?) [البقرة: 232] وقال الشافعي في تجويز مثل ذلك في اللسان: يقال: بلغ المسافر البلد، إِذا انتهى إِليها، وإِن لم يدخلها، ويقال: بلغها، إِذا دخلها وتوسط [أبنيتها] (?).
649 - ثم بعد هذا اعترض إِشكالٌ آخر في الحديث، فإِن جبريل أبان بالتعرض لآخر وقت الظهر انقضاءَ وقته، وجرى على تلك الصيغة في صلاة العصر، والعشاء، والصبح، ما (?) يدل على ما يخالف ظاهر المذهب؛ فإِنه صلى العصر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه، وصلى صلاة العشاء في النوبة الثانية حين ذهب ثلث الليل، وصلى صلاة الصبح في المرة الثانية حين أسفر، فاقتضى ظاهر ذلك أن وقت الأداء في هذه الصلوات ينتهي بالانتهاء إِلى هذه الأوقات، كما جرى ذلك في صلاة الظهر، ولكن اضطرب الأصحاب في هذا على طرق:
فذهب الأقلون إِلى التزام ذلك في هذه الصلوات، والمصيرِ إِلى أن الصلاة تفوت بالانتهاء إِلى هذه الأوقات، وهذا غير معدود من متن المذهب، وقد عزاه الناقلون إِلى الإِصْطخري.