موضع النظر: يجوز أن يقال: السلطان أولى لمكان الولاية العامة، وإقامة الحدود هي أخص آثار الولايات، وقد قال الشافعي: " إذا اجتمع في دار رجلٍ مالكُ الدار والسلطانُ، وقامت الصلاة، فالسلطان أولى بالإمامة من مالك الدار " لأن أصل الجماعات مما جرى الرسم بكلام الولاة فيها، وإن كان لا يتوقف تصحيحها على رأيهم، فإذا كان كذلك، فالحدود بما ذكرناه أولى.

ويجوز أن يقال: المالك أولى بإقامة الحدود؛ لأنها تتعلق باستصلاح ملكه، فكان أولى منه، ولا يمتنع أن يقال: المالك أولى بالجلد والسلطان بالقتلِ، والقطعِ؛ فإن إعمال الأسلحة وسفك الدماء حقه ارتباطه بمن إليه الأمر، فإن أقام الشرعَ السيدُ به، فهو في حكم النائب للإمام، والتبعِ له. فإذا فرض النزاع، فالوالي أولى بما يليق بمنصبه.

11078 - ثم عقد الشافعي باباً في حدّ الذميين (?)، ومضمونه أنهم إذا ترافعوا إلينا، ورضوا بحكمنا، فيجوز القضاء عليهم، وفي الوجوب قولان تقدَّم ذكرهما في أبواب النكاح، وسيعود تفريعهما في أدب القضاء، إن شاء الله تعالى. وقصة اليهوديين، إذ رضيا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حد الزنى مشهورة (?).

وإذا ارتفع إلى مجلس الحاكم من الذميين من كان شرب الخمر ورضي بحكم الإسلام، فظاهر المذهب أنه لا يقام عليه الحد؛ لأن المقصود من الحد الزجر، والمرتفع إلينا مستبيحٌ للخمر، غيرُ مغيِّرٍ لعقده، فلا معنى لزجره، على أنا منهيون عن تتبعهم، مأمورون بمتاركتهم (?)، والإعراضِ عن البحث عن أحوالهم.

فإن قيل: أليس نص الشافعي على أن الحنفي يحد إذا شرب النبيذ، وإن كان مستبيحَه؟ قلنا: إنما قال ذلك، لقطعه بأن في شرب النبيذ من المحذور ما في شرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015