والثاني - أن له أن يُجبره؛ وذلك استعانة منه فيما لا بد منه. والإمام إذا استعان بأحد من المسلمين، لزم الانقياد له.
وقد نجز القول في أصناف من يغرب.
11047 - ويلتحق بما ذكرناه أن الغريب يغرّب إذا زنا، قطعاً لوهم من يتوهم أن التغريب في حقه غير مؤثر، فإنه إذا لم يكن في وطنه، فالبلاد كلها في حقه بمثابة واحدة؛ وذلك أن قواعد الحدود لا تنقض بما يفرض في آحاد الأشخاص؛ على أن الغريب قد يألف بقعةً، ويشق عليه مفارقتُها، والغرض الأظهر من التغريب التنكيل، وهذا المعنى يستوي فيه المتوطن والغريب.
11048 - ثم نتكلم الآن في مسافة التغريب. اتفق الأئمة على أنها تبلغ مسافةَ القصر؛ إذ لو قصرت عن هذا المبلغ، لتردد عليه أخبار الأهلين والمخلَّفين، ولم يحصل به إيحاش الغربة، ولا ضبطَ وراء المرحلتين.
ثم وراء ذلك تردّد: [ففي] (?) بعض التصانيف أن الإمام إذا عيّن تغريبه إلى بلد، لم يسيبه فيها حتى ينفلت حيث يشاء، وهذا تصريح بأنه [يمنع] (?) من الانتقال عن البلدة التي عُيّنت له، ولم يذكر ذلك أحد من أئمة المذهب. وإنه عندي باطل؛ فإنه جَمْعُ حبسٍ إلى تغريب، ولم يشهد لهذا سُنَّةٌ ولا قياس، وإذا غُرِّب في جهة وأظهر التنكيل به، فلا مانع من أن يتطوح في البلاد.
ثم في كلام الأصحاب تردد من وجه آخر، وهو أن الإمام لو عين لتغريبه صوب الشرق، فقال المغرّب: غرِّبوني في صوب الغرب، فمن أئمتنا من قال: إذا عيّن الإمام صوباً، فلا معدل عن الجهة التي يعينها، وهذا غير سديد (?). والغرض أن يبعد عن الموضع الذي غربناه فيه مرحلتين، فليأخذ أيَّ صوب شاء.
وإذا زنا الغريب، غربناه من موضع الزنا، فإن فرعنا على أن الإمام لا يعيِّن