مذهب الشافعي أن توبة الزنادقة والباطنية مقبولة، ولا يبقى بعد الحكم بإسلام الكفار تحت السيف لمفصِّل رأيٌ في التفصيل، مع أن الظاهر القريب من اليقين أن الكفار لم يحدثوا اعتقاد الحق، [إذ يغشاهم] (?) المسلمون.
وكذلك من ارتد إلى دين اليهود أو النصارى، ثم عصبناه لنضرب رقبته، فتاب، فتوبته مقبولة، والظاهر أنه جاء بها لِما استشعره من الخوف، وقد روي أن أسامة أشرف على جمع من الكفار في العُدّة التامة، فأسلم واحد منهم لما سلّ السيف عليه، فقتله أسامة؛ فاشتد نكير رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة؛ فقال: إنما قاله فرقاً مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هلا شققت عن قلبه؟ " (?).
وقال مالك (?): توبة الزنديق مردودة، وأضاف الأصحاب هذا إلى الأستاذ أبي إسحاق رضي الله عنهما، والصحيح عندنا من مذهبه: أن الزنديق إن حُمل على التوبة، فتوبته مردودة. وإن رأيناه في استخلائه يظهر تخضُّعاً للإسلام وتعظيماً له وتندماً عما كان تقدم منه من انتحال (?) الزندقة، وتبين بقرائن الأحوال، والأمر كذلك أنه لا غرض له، إلا الرجوع إلى المسلك الحق، فالتوبة مقبولة على هذا الوجه إذا اطلعنا عليه منه.
وهذا التفصيل حسن؛ فإنه لو رُدّ رجوع الزنديق من كل وجه، فلا يبقى له طريق إلى الرجوع. وليس يمتنع أن يظهر الحقُّ لزنديق، كما لا يمتنع أن يتزندق مسلم.
ومذهب الشافعي قبول توبة الزنديق وإن كان مجبراً عليها اعتباراً بتوبة كل مرتد، فلو ارتد المسلم، ثم عاد، ثم ارتد مرة أخرى؛ فمذهب الشافعي وأصحابه قبول