ثم قال رضي الله عنه: " لا يُرمَوْن بالمنجنيق ولا بالنار ... إلى آخره " (?)
11017 - منع الشافعي مقاتلتهم بالأسباب العظيمة الفاحشة (?) التي تصطلمهم، وتأتي عليهم من غير بُقيا، وإنما يجوز نصب المنجنيق وما في معناه والمقاتلة بالنيران مع الكفار؛ فإنا نستحل قتل الكفار جرياً على موجب قوله عز من قائل: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191] والمقاتلة مع أهل البغي ينبغي أن تكون مع الإبقاء عليهم.
وهذا مما يجب التنبه له، فإنا ذكرنا فيما تقدم أنا إذا اصطففنا في مقاتلتهم، لم يكن القتال على حد دفع صائل على مصول عليه، حتى لا نبدأ بهم، وإن بدؤوا بنا، اقتصرنا على حد الدفع، هذا مما لا يمكن، ولو فرضنا افتتاح ذلك، كان استقتالاً، وتعرّضاً للهلاك، ولكن للقتال مع محاولة الاستيلاء والإبقاء عليهم مبلغاً يُنْتَهى إليه، ويوقف، فلا يزاد عليه. ولقصد الاستئصال والاصطلام حد يعرفه أهله، فرأى الشافعي رضي الله عنه نصبَ المنجنيق وإرسالَ السيل على معسكرهم يبعد أن يقاتلوا به، وإضرامُ النيران فيهم من قصد الاصطلام.
فإذن ليتخيل الفقيه مراتب: إحداها - الاصطلام، وهو مع الكفار، [والأخرى -] (?) الاقتصار قدر الحاجة في الدفع، وترك الابتداء (?)، هذا بين الصائل والمصول عليه، كما سيأتي، إن شاء الله. والآخر - القتال مع أهل البغي، وفيه الإبقاء، وفيه (?) قصد كسر شوكتهم لردهم إلى الطاعة، ولو ابتدؤوا فنصبوا علينا مثل ذلك، قاتلناهم، ولو أحاطوا بنا وعلمنا أنهم يقعون بنا إن لم ندفعهم، فندفعهم، فإنا نبيح هذا في دفع الصائل الواحد إذا كان لا يندفع إلا به.