فإن قلنا: إنه ليس بنفاس، فهل نجعله دمَ حيض أم لا؟ فعلى قولين مرتبين على أن الحامل هل تحيض؟ فإن قلنا: إن ما تراه من الدم يكون حيضاً، فهذا بذلك أولى، وإن قلنا: إنه لا يكون حيضاًً، ففيما نحن فيه قولان.

والفرق أنّ الغَالبَ في الحامل أنها لا ترى دماً؛ لانسداد فم الرحم، فإن رأته، فقد يُقَدَّر ذلك دم فسادٍ لندوره، وينزل ذلك منزلة ما لو رأت الصبيّةُ، وهي ابنة ثمانٍ دماًً.

فأمَّا إذا ولدت ولداً، وانفتح الرحم، فاسترخاء الدم من الرحم ليس بدعاً، بل النادر ألا ترى دماًً إذا ولدت، ثم إذا جعلنا ما رأته دمَ حيضٍ، فيلزم على هذا الوجه [رعاية] (?) قضايا الحيض فيه، حتى إذا زاد على خمسة عشر يوماً، كان الزائد دمَ فساد، والترتيب فيه كالترتيب في دم الحيض إذا زادت نوبته.

ثم يترتب على هذا الوجه أنه إذا تقدم على ولادة الولد الأول دمٌ، وتخلّل بينه وبين الدم بعدَ الولد الأول أقلُّ من أقلِّ الطهر، فيلزم من هذا القياس أن نجعل ذلك الدمَ دمَ حيضٍ؛ لأنه لم يتقدمه طهر كامل، وليس ذلك الدم دمَ نفاس حتّى ينفرد بحكمه، كما تقدم في الصورة الأولى، وهذا بعيد عن التحصيل.

وباختباط هذه التفريعات يتضح ضعف هذا الوجه.

630 - وإن قلنا: إن ما رأته بين الولدين دمُ نفاسٍ، وهو الصحيح، فإن ولدت الولد الثاني، فرأت على أثره الدمَ أيضاً، فقد ذكر الأئمة اختلافاً في ذلك: وحاصل القول فيها يؤول إلى أن ما رأته على أثر الولدين في حكم نفاسٍ واحد، أو في حكم نفاسين، وفيه الاختلاف. ومنه ينشأ ما سنذكره.

فمن أصحابنا من قال: إنهما في حكم نفاسين؛ لمكان الولدين، وانفصال إحدى الولادتين عن الأخرى.

ومنهم من قال: إنهما في حكم نفاسٍ واحدٍ؛ فإن الرحم اشتمل على الولدين اشتمالا واحداً، فالفراغ عنهما في حكم ولادةٍ واحدةٍ.

فإن قلنا: إنهما نفاسان، فإن ولدت ولداً، ورأت الدمَ ستين يوماً، [ثم ولدت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015