ومن نصر ما عليه الجمهور -وهو ظاهر النص- احتج بأن قال: من جنى على عبد قيمته بالسوق يوم الجناية مائة، فمات من تلك الجناية، وقد تراجعت قيم العبيد، ولو فرضناه سليماً يوم الموت، لكان لا يساوي إلا خمسين، فالواجب على الجاني مائة، وسبب ذلك أنا نغرِّم الغاصب أقصى قيمةً من يوم الغصب إلى يوم التلف، لمكان يده العادية، واتصال الجناية في هذا المعنى أقوى من اتصال اليد، فإن اليد ليست [سبب] (?) الهلاك، والجناية سبب الهلاك.
وإذا ثبت ذلك في العبد، فليكن حكمُ الجنين المنسوب إلى الأم مُجرىً على هذا القياس. وهذا القائل يفصل بين ما يفرض من التفاوت في القيمة وبين ما يطرى من الجناية أو الإسلام على الجنين، ويقول: إذا عَتَق الجنين، فقد [كمُل] (?) بنفسه واختص بصفة لا توصف الأم بها، فنقطع حقيقة التبعية، ويجب اعتبار الحرية يوم الإلقاء، وهذا لا يتحقق في الجنين المملوك.
وما أطلقه الأصحاب في هذه المسألة لا يغني ولا يَشفي الغليل، ونحن نوضح حقيقة المسلكين، ونستعين بالله.
10871 - أما من اعتبر يوم الجناية، فيعارضه سؤال، وفي الجواب عنه بيان حقيقة المسألة؛ وذلك أن قائلاً لو قال: إذا كنا نجعله بالجناية [كصاحب] (?) العدوان باليد، فلا معنى لتخصيص يوم الجناية؛ فإنا لا نخصص في حق الغاصب يوم الجناية بالذكر والحكم، بل نعتبر الأقصى من يوم الغصب إلى يوم التلف، والجواب: أن الأمر كذلك في الجراحة، ولم يقصد الشافعي بذكر يوم الجناية قَطْعَ الاعتبار عما بعده، فلا نظن يتحقق إسقاط اعتبار قيمته يوم الوضع إذا كانت تلك القيمة أكثر من قيمة يوم الجناية، وغرض الشافعي بذكر يوم الجناية بيان ابتداء وقت الاعتبار، فمبتدؤه من وقت الجناية ومنتهاه يوم الإلقاء، والمعتبر أعلى قيمة من يوم الجناية إلى يوم الإلقاء.
هذا بيان هذا المذهب.