فهذه مسائل تهذب الأصول وتنبه على مجال النظر والتأمل، ولم يبق من الفصل إلا النظر فيما يكون إكراهاً، وقد مضى القول البالغ فيه.
10377 - والذي ذكره الأصحاب هاهنا: أن أمر السلطان هل يكون إكراهاً أم لا؟ فعلى وجهين. وهذا الخلاف مشهور، وفيه مباحثة، وهي أن السلطان إذا أمر بقتل إنسان، وكان المأمور لا يعلم كونَ السلطان مبطلاً؛ فإذا قتل، فلا يتعلق به ضمان أصلاً، ورأيت مشايخ المذهب مطبقين على هذا، وإن كان الجلاد يجد محيصاً [عن إنفاذ أمره، ولم يكن محمولاً بهذا على القتل] (?)، والسبب فيه أنا لو علقنا الضمان بالجلاد، لما انتظمت السياسات، ولخاف كل من يتعاطى القتل مغبةَ الأمور.
هذا إذا قَتَل وهو لا يدري كونَ الإمام مبطلاً.
فأما إذا علم أن الإمام مبطل، فعند ذلك ذكر الأصحاب خلافاً في أن أمر السلطان هل يكون إكراهاً أم لا؟ وهذا فيه نظر؛ فإن كان أمره بحيث لو لم يمتثل، لظهر الخوف [من إهلاكه، فهذا إكراه] (?) في الحقيقة. وإن لم يظهر ذلك في الظن، فلست أرى للخلاف في أن الأمر هل يكون إكراهاً وجهاً أصلاً، ولكن الكتب مشحونة بذكر الوجهين في أن أمر السلطان بمجرده هل يكون إكراهاً؟ فلست أرى له اتجاهاً إلا من جهةٍ واحدة، وهو أنه [إن] (?) كان يسطو بمن يخالفه [واعتيد] (?) ذلك منه، [ولا] (?) يبلغ توقع ذلك مبلغ توقع المخوف لو صرح بالتوعد به، فليقع تنزيل الخلاف على هذا الوجه، والفرض فيه إذا علم كونَ القتل باطلاً، وكان يظن سطوته لو خولف، فهذا هل يكون كما لو توعد؟ هذا وجه في تنزيل الوجهين.
وقد أشار بعض الأصحاب إلى مسلك آخر وهو أن المأمور وإن كان يعتقد كونَه مبطلاً، فقد لا يكون كذلك؛ فإنه لا يطلع على حقيقة كونه مبطلاً، ثم نعرض الأمرين