بالظواهر، وتركوا الغوص على الأسرار، فإن الفرق بين الصحراء والمضيق مما [مهّدته] (?) من عدم ضراوة السباع وحَمْل ثورانها في المضيق على الدفاع عن أنفسها، وإلا فكيف الخلاص من وثبات الفهود التي تدرك الظباء في لحظات مختلَسة، فلهذا لم أعتمد الفرار، وأخرجته عن السباحة، فإن من ذكر الفرار لم يخرجه عن ثبتٍ فأعتمدَه.
10309 - فهذا أقصى ما في الوسع من إيضاح المشكلات، وتنزيل المسائل على مقتضى القواعد. وينبغي أن تشتد عناية الطالب بمعرفة العَمْدية، فإن معظم مسائل القصاص عليها تدور، ونحن بتوفيق الله تعالى نأتي (?) بقواعد الكلام، ونبهنا على تغشّيها من اللبس، في رَمْزٍ من الفقه فيه وتولّعٍ بَنَوْه بالتشجيعات (?) والترصيعات التي مجّتها الأسماع ويأباها طلبة المعاني.
10310 - ومما نذكر متصلاً به، أنه لو أغرى سبعاً بإنسان في [متسع] (?)، حيث نحكم بأن القصاص لا يجب، فلو فرض توثب السبع على ذلك الإنسان وقتله، ودرأنا القصاص، فهل تجب الدية أم لا؟ فهذا فيه تأمل ونظر، من جهة أن السبع إذا لم يكن ضارياً بطبعه، فلا أثر للإغراء فيه، وإنما يتوثب وفاقاً، ثم لا يسند فعله إلى المغري، والدليل عليه أنه لو أغرى كلباً غير معلّم بصيد، فاتفق أنه انطلق إليه وقتله، فهو ميتة، ويكون كما لو انطلق بنفسه من غير إغراء؛ فإن اختيار الحيوان له حكم إذا لم يكن معلّماً.
والأصحاب بنَوْا أمرهم في نفس القصاص على إمكان الفرار في الصحراء، وإذا كان كذلك، فقد تُفرض دهشة من ذلك الإنسان، كما فرضناه في ترك السباحة، حيث تفرض النجاة بالسباحة، ثم ميل الأصحاب إلى وجوب الضمان، كما قدمنا ذكره.
والوجه عندنا في ذلك أن نقول: إن كان السبع مطلقاً، ولم يوجد من الساعي إلا