تحصّل لنا من قول الأصحاب في ذلك وجهان في وجوب الضمان: أحدهما - أنه لا ضمان؛ فإنه هو الذي أتلف نفسه بتركه السباحة.
والثاني - أنه يجب الضمان؛ فإن إلقاءه جناية، والسباحةُ حيلة في الخلاص، فهي مشبهة بما إذا ترك المجروح معالجة الجرح، وللأول أن ينفصل ويقول: إفضاء المعالجة في الجرح إلى البرء مظنون، والسباحة منجية على تحقيق في الساحل، وهذا موضع تثبت للوقوف على هذا الفن.
10292 - وأنا أرى في إيضاح ذلك أن أذكر مراتب.
المرتبة العالية في الدفع تُناظر أكلَ الجائع الطعام العتيد بين يديه، وهو محبوس، فإذا امتنع عن الأكل حتى هلك، فهو قاتل نفسه، وشرط هذه المرتبة ألا يعد السبب الصادر من الساعي في الأمر إهلاكاً أصلاً، ويكون رفع الضر هيّناً محصلاً لدفع الضرار قطعاً، ويلتحق بهذا الإلقاءُ في الضحضاح مع التخاذل فيه، إذا كان [لا يجرح] (?)، فإن الإلقاء في مثله [يعد عبثاً] (?) والخروجُ من الأفعال المعتادة.
والمرتبة التي تعارض هذه معالجةُ الجرح، فالجرح في نفسه جناية مهلكة، والمعالجة ليست بالهيّنة، وحصول الخلاص بها مظنون، فلا جَرَم لا يؤثر عدمُ العلاج وتركُه في درءِ الضمان.
وبين هاتين المرتبتين ترك السباحة؛ فإن الإلقاء في المغرقة جناية، والسباحة وإن كانت مُنجية، فقد يعرض من الملقَى دَهَش، وكم من سابح يطرى عليه ما يمنعه عن السباحة، وإن كان الغالب يخالف ذلك، فهذا موضع التردد.
ويتصل عندي بهذا الفن ترك تعصيب الجرح حتى يؤدي إلى النزف.
وقد يتصور ما أرى إلحاقه بالمرتبة الأولى، وهو إذا فتح رجل عِرْق إنسان فتركه المجني عليه [يزرُق] (?) حتى يُفضي إلى النزف، فهذا من باب ترك الأكلِ والطعامُ عتيد.