أصحاب البوادي ولباسهم خشن، وطعامهم [خشن] (?) ولو فرض حط العبيد عن ملابسهم ومطاعمهم انتهى الأمر إلى الضرر، وقد ذكرنا أن الإضرار بالمملوك غيرُ سائغ.
وأما الحاضرة وأصحاب النعمة والترفّه، فمن ملابسهم الخُزُوز الفائقة، ورقيقُ الكتان والحرائر، فيلبسن نفائسَ الديباج، فلا نكلف هذه الطبقة أن يُلبسوا عبيدهم من جنس ما يلبسون (?).
وكذلك قد يعتاد هؤلاء أطايبَ الأطعمة [وصدورَ الدجاج] (?) ونفائسَ الحلاوات [فلا نكلّفهم] (?) أن يُطعموا عبيدهم من هذه الأجناس.
ثم أخذ رضي الله عنه في الكلام على الحديث (?) المشتمل على [إجلاس] (?) العبد وإطعامه لقمة مُروَّغة، وقد روينا الحديث، ومعناه مفهوم، قال الشافعي رضي الله عنه: وهذا أولاً مخصوص بالذي يتولى إصلاح الطعام ويُصادِمُ حرَّ النار ودخانَها، فإذا هيأ الطعام، فمقتضى الحديث الأمرُ بإجلاسه ليأكل مع المولى، وفيه أن ترويغ لقمة وتسليمَها إليه يُغني عن إجلاسه، ثم تردد، فقال: يجوز أن يكون الأمر محمولاً على الوجوب ويجوز أن يكون استحباباً محمولاً على مكارم الأخلاق.
وإذا كانت القاعدة على الكفاية، ودفع الضرر، واجتناب الإهانة، فما يجريه الشارع زائداً على هذا فيظهر أن الغرض الحثُّ على وطأة الخُلُق والاستكانة، واجتناب استعلاء الملاك.
ثم ذكر رضي الله عنه على تقدير حمل الأمر على الوجوب شيئين: أحدهما - أن الواجب أن يخصص بلقمة، هذا القدر هو المحتوم، وإن أجلسه، فهو أفضل،