فصل
10228 - قد ذكرنا أن الأم أولى بالحضانة قبل بلوغ الطفل مبلغ التمييز، واستثنى الأئمة من هذا الفصل [ما إذا أراد الأب أن يسافر] (?) سفر النُّقلة، ونحن نقول فيه:
إذا أراد الأب المسافرة والانتقال إلى بلدة أخرى، فيبطل اختصاصُ الأم بالحضانة إذا كانت تؤثر الإقامةَ، والسبب فيه أن الأب إذا انتقل إلى ناحية أخرى، وترك الولد في حضانة الأم [فقد] (?) يُفضي هذا إلى أن يندرس وينمحق نسبه، وهذا يظهر أثره ووقعه في الحال والمآل؛ فإن اشتهار الأنساب بالرجال، والنسوة لازماتٌ خدورَهن، لا يظهر من تفاوضهن أنساب المولودين.
ثم الظاهر الذي مال إليه ذوو التحقيق أن هذا فيه إذا كان بين مكان الأم وبين الموضع الذي ينتقل الأب إليه مسافة إلى حد الطول، وأقل مراتب السفر الطويل مرحلتان، فإن كان الموضع الذي ينتقل إليه الأب دون هذه المسافة، فليس له أن ينتزع الولد من الأم؛ فإن النسب لا يخفى مع قرب الأب، ووقوعه من الولد على مسافة قصيرة؛ فإن طروق الوافدين والواردين من إحدى الناحيتين على الأخرى يُديم إشاعة النسب، وإنما يفرض الخفاء عند طول المسافة، ثم لا مرجع يُنتهى إليه ويتمسك به في الطول والقصر إلا ما ذكرناه.
وفي طرق بعض الأصحاب ما يدل على أن الانتقال يُثبت للأب حق انتزاع المولود وإن لم تبلغ المسافة حدَّ الطول، وهذا قد يمكن توجيهه بانقطاع نظر الأب عن رعاية المولود؛ فإنه إذا كان حاضراً، وكان الولد بمرأىً منه ومسمع، فالأم كالمستنابة في الحضانة ولحاظُ الأب دائم، وهو قائم عليه بالتأديب والذّبّ عند الحاجة، وكأن الاستقلال في تربية الولد دون رجل في حكم التعطيل، وإذا كان الرجل حاضراً، فكأنه الأصل والأم معتضدة به، وهي قائمةٌ بطرفٍ واحد من مصلحة المولود، كغسله وتنقيته ووقايته من المخاوف.