والقول الثالث (?) - أن نفصل بين أن ترى الدم بعد النكاح وبين أن تراه قبله، فإن رأته قبل النكاح، تبيّنا بطلانَ العدة، وإن رأته بعد النكاح، فلا أثر لما رأت، فإن قالوا: كيف يتجه قول من يقول: العدة لا تبطل، وقد بأن أنها مضت قبل سن اليأس؟
قلنا: هذا مبني على أنا لا نشترط استيقان اليأس، بل نكتفي بظهوره، وإذا ابتنى على ظهوره مضيُّ المدة المرعية في العدة، فلا يضر ما يطرأ من بعدُ، وإن كنا نتحقق بما ظهر أن الأمر على خلاف ما ظنناه، [وبنى] (?) الأصحابُ هذا على قواعد تُبنى على اشتراط أمور، ثم إنها تظهر، ثم يتبين الأمر على خلاف المظنون، وهذا بمثابة قولنا: إن المعضوب الموسر إذا أحجَّ عن نفسه، وكان به عضب يبعُد زوالُه، فإذا حج النائب، ثم زال العضب، ففي وقوع الحج عن المستنيب قولان.
ومما يقرُب من ذلك أن من رأى سواداً، فظنه عدوّاً وصلى صلاة الخوف، ثم تبين أن ما تخيله لم يكن عدواً، ففي صحة الصلاة خلاف مشهور، ويقرب من هذه الأصول أن بيع الرجل مال أبيه على ظن أنه حيٌّ، ثم تبين أنه كان مات، وانقلب المبيع ميراثاً للبائع، وصادف معه حصولُ الملك، فهذه القواعد متناظرة، فالخلاف فيها آيل إلى أنَّ الحكم فيها على قولٍ بموجب الحقيقة، ونحكم على قولٍ آخر بموجب الظاهر، وإذا أجرينا الحكم به، لم ننقضه، وإن كان الأمر بخلافه.
9789 - ومن تمام الكلام في المسألة أنا ذكرنا في التفريع على قولي القديم أنها إذا تربصت كما أمرناها، واعتدت بثلاثة أشهر، فلو رأت الدم، ففيه خلافٌ قدمناه، ولو نكحت، ثم رأت الدم، فالذي ذهب إليه جماهير الأصحاب أن رؤية الدم بعد النكاح لا أثر له تفريعاً على قولي القديم، وإنما الخلاف إذا رأت [الدمَ] (?) قبل النكاح [وبعدَ] (?) انقضاء الأشهر.