ووجوب العدّة مع القطع بالبراءة يدل على أن وجوب العدة لا يتوقف على شَغْل الرحم.
ثم هذه العدة تتعلق بوضع الحمل وغيره، فإذا وضعت الحمل بعد الفراق، ولم يكن الرحم مشتملاً على غير ما وضعت، فقد انقضت عدتها، قَرُبَ الزمانُ أو طال.
وإن كانت حائلاً، فلا يخلو إما أن تكون من ذوات الحيض وإما ألا تكون منهن؛ فإن لم تكن من ذوات الحيض، فعدتها بالأشهر، على ما سيأتي في أثناء الكتاب.
9764 - وإن كانت من ذوات الحيض، فعدتها بالأقراء، قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].
واختلف العلماء في القُرء ومعناه في الشرع، فذهب أبو حنيفة (?) إلى أن القرء الحيض، وقيل: كان هذا مذهباً للشافعي، وكان أبو عبيد (?) يعتقد أن القرء هو الطهر الذي يحتوشه حيضان، فالتقيا رضي الله عنهما وتناظرا، وكان الشافعي يورد عليه من قضايا الأحكام ما يدل على أن الاعتبار بالحيض في العِدة، وأبو عبيد يورد من قضايا اللسان ما يدل على أن القرء الطهر، فافترقا، وقد أخذ الشافعيُّ مذهبَ أبي عبيد، وأبو عبيد مذهبَ الشافعي.
وهذه حكاية لا تعويل عليها؛ فإن الشافعي كان بحرَ (?) اللغة، وأبو عبيد من نَقَلَتها، وإنما كان ينقل الأئمةُ اللغة من الشافعي ومَنْ في درجته في اللسان، فلا يُعرف للشافعي مذهبٌ في القرء سوى ما يعرفه أصحابه الآن، ولو كان ذلك مذهباً له، لنقل نقلَ الأقوال القديمة.
وقد اضطربت أقوال العلماء في معنى القرء في اللغة: فذهب أصحاب أيي حنيفة إلى أنه الحيض، وذهب أصحاب الشافعي إلى أنه الطهر.