هذا معنى الإحصان في المقذوف؛ فإن القذف جنايةٌ على العرض، وإنما يكمل العرض عند تجمع هذه الصفات، وغرضُنا من جميعها الكلامُ على العفة من الزنا، فنقول أولاً: إذا زنى الشخص، وثبت زناه بالبيّنة أو بإقراره، فهذا شخص لا عِرْضَ له، وكأن أصل العرض العفةُ من الزنا، وبقية الصفات في حكم التكميل له؛ فإن القذف نسبةٌ إلى الزنا، وإنما يتعيّر بالنسبة إلى الزنا عفيفٌ عنه، فأما الزاني فيخجل (?) من ذكر الزنا، فقال العلماء: من قذف زانياً، لم يستوجب الحد بقذفه. نعم، يستوجب التعزير بإيذائه.
ثم ذكر القاضي أن من زنا مرة واحدة في عنفوان شبابه، ثم تاب وأناب، وصار من أعف خلق الله، وأزهد عباده، فلا حدَّ على من يقذفه، وإن تمادى الزمن، ونيّف على المائة. وكذلك القول فيما إذا زنت مرّةً ثم قُذفت.
وهذا دعوى عريضة، وما أراها تَسْلَمُ عن الخلاف؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبةُ تمحو الذنبَ، وتردُّ العدالةَ، وما يخرِم المروءةَ إذا تُرك، عادت المروءة، وانجبر ما كان فيها من خرم، وإذا كنا فسّقنا الرجل لزناه، ثم لما تاب واستبرأناه، قبلنا شهادته وعدَّلناه، فهذا عَوْد إلى الاعتدال والكمال، وما العرض إلا نباهةٌ تسمى الجاه، ولا شك أن من يُخْرَم جاهُه، فقد يعود إلى ما كان عليه (?)، ولم أر هذا التصريح على هذا الوجه في شيء من كتبنا.