ولو قال لها: إذا مضى حِقَبٌ أو دهرٌ، فأنت طالق، قال الأصحاب: هذا كما لو قال: إذا مضى زمان أو حين، وهذا مشكل جداً؛ فإن اسم الدهر والحقب لا يقع على الزمان اللطيف، وإيقاع الطلاق بعيد مع حسن قول القائل هذا الذي مضى ليس بدهرٍ، وقيل: سُئل أبو حنيفة (?) عن تعليق الطلاق بالدهر، فقال: لا أدري، وروجع مراراً فأصرّ عليه.

والذي أراه فيه أن العَصر عبارة عن زمانٍ يحوي أمماً، فإذا انقرضوا، فقد انقرض العصر، أو من قول الناس: انقرض عصر الصحابة. ومن كلام الأصوليين هل يشترط في انعقاد الإجماع انقراض العصر؟ هذا بيّن في معنى العصر، والحكم بوقوع الطلاق دون ذلك، أو في الزمن القريب بعيد عندي، وأما الدّهر، فإطلاقه على الزمان القريب بعيدٌ، [بعد] (?) ما تمهّد من وجوب إمالة الفتوى إلى نفي الطلاق.

وهذه الألفاظ تُصوّر مطلقةً، وفيها يقع الكلام، وبحقٍّ توقّف أبو حنيفة في هذه المسألة، وفي القرآن ما يدل على أن الحين من الدّهر، قال الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان:1] وسُمي القائلون بقدم العالم دهريةً، وقد يطلق الدهر، ولا يراد به الزمان، وهو معنى تسمية الملحدة دَهْرية، فإنهم يضيفون مجاري الأحكام إلى الدّهر، وإلى هذا أشار الرسول عليه السلام، وقال: "لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر" (?) وليس ينقدح لي في الدهر معنى إذا كان مطلقاً، وقرن بالمضي إلا الحمل على العصر، فإنه يقال مضى عصر الأكاسرة، وانقضى دهرهم، ولست واثقاً بهذا أيضاًً، والذي حكيته عن الأصحاب تنزيل الدهر والعصر منزلة الحين والزمان.

فرع:

9321 - قال صاحب التقريب: إذا قال: أنت طالق اليوم إذا جاء الغد، فلا يقع أصلاً، فإنه علق وقوع الطلاق في اليوم على مجيء الغد، فلا يقع الطلاق قبل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015