والوجه الثاني - أنه يقع، لأن حمل قوله: "حيضة واحدة" على حيضةٍ واحدةٍ من كل واحدة ممكن، وإذا أمكن تنزيل اللفظ على ممكن له تصوّر، وجب حمل اللفظ عليه، فإن مبنى النطق على ألا يُلغى ما أمكن استعماله، وهذا قطب في الكتاب، فليتنبه المرء له، وهو إذا تردّد اللفظ (?) على وجه يحتمل استحالةً ويحتمل إمكاناً، فمن الأصحاب من لا يُبعد الحملَ على الاستحالة؛ حتى لا يقع الطلاق، ومنهم من يوجب الحمل على الإمكان حتى لا يلغو اللفظ؛ فإن التعرض للاستحالات يكاد أن يكون كالهزل، وهَزْلُ الطلاق جدّ. وعن هذا قال قائلون: الطلاق المعلَّق بالاستحالة على التصريح يتنجز ولا يتعلق.
ومن الأصل الذي نبهنا عليه قول القائل لامرأته وأجنبية: "إحداكما طالق"، فإذا زعم أنه أراد الأجنبية، فهو من فنّ الحمل على المحال، وفيه التردد الذي ذكرناه في فروع باب الشك.
وإذا قال لامرأتيه: إن حضتما، فأنتما طالقان، فقالتا: حضنا، نظر: فإن صدّقهما، طُلِّقتا، وإن صدق إحداهما وكذَّب الأخرى، طُلقت المكذَّبة (?)، لأن صاحبتها مصدّقة وقولها في حق نفسها مقبول.
هذا ما ذهب إليه جماهير الأصحاب، ووجهه ما نبهنا عليه من أن المكذَّبة مصدّقة في حق نفسها، والمصدّقة يثبت حيضها بتصديقها، وأما المصدَّقة، فإنها لا تطلق؛ فإن حيضها وإن ثبت في حقها، فحيض المكدَّبة لا يثبت في حقها، فلم تطلق المصدَّقة؛ من جهة أن حيض المكذَّبة غيرُ ثابت في حقها.
وإذا كذبهما لما قالتا: حضنا، لم تطلق واحدة منهما: هذه لا تطلق؛ لأن حيض صاحبتها مردود في حقها، والأخرى لا تطلق بمثل هذه العلة.