الإضراب عن التقريب توريط المرضى في خوف الهلاك؛ فإنهم إذا علموا أنه لا يكتفى باسم المرض، واعتقدوا أن الصوم لا يترك إلا بثَبَت، فقد يصابرون إلى الإشفاء على الموت.
فالوجه في ذلك، أن المرض الذي يُفطَر لأجله مما يعمّ؛ إذ الصوم يعمّ المتمكنين، والمرض يُعدّ من الأعذار العامة في هذا الباب وفاقاً، كما أن عدم الماء في السفر يعد عذراً عاماً، وكل عذر نيط به تخفيفٌ، فلا يشترط فيه الانتهاء إلى خوف الهلاك، لسرٍّ خطيرٍ، نبهت عليه في الكتاب المترجم (بالغياثي) (?) وهو: أن الحرام لو عم في الزمان وعدِم الحلال، فلا نقول بتوقّف جواز الإقدام على الطعام على الضرورة التي تُشترط في استحلال الميتة؛ إذ لو شرطنا ذلك في حق الناس كافةً، لانقطعوا عن مكاسبهم ومعايشهم، ولانقطع بانقطاعهم الحِرفُ وأسبابُ بقاء العالمين، فالمرعيُّ إذاً والحالة هذه حاجةٌ لو تركوا الأكل عندها، لخيف أن ينقطعوا عن تصرُّفاتهم؛ فإن الحاجة في حق الكافة، تنزّل منزلة الضرورة، في حق الواحد.
ومن أراد شرح الفصل، فليطلبه من ذلك الكتاب (?).
248 - فنقول الآن: إذا كان المرض مما يعدّ عذراً عاماً، فالتقريب فيه أن كلَّ مرض يمنع من التصرف مع الصوم يجوز الإفطار بسببه، وهو المعني بالضرر الظاهر الذي ذكره الأصحاب. وهذا لطيفٌ حسن؛ فإنه جاز الإفطار لأجل السفر، حتى لا يتعذر على طوائف يُكثرون التقلب في أسفارهم.
فإن قيل: قد يتعذر بنفس الصوم -من غير مرضٍ- التصرّفُ. قلنا: هذا يندُر في آحاد الناس؛ فإن أغلب الناس الذين يتأتى منهم التصرف، لا يمتنع عليهم التصرف بالصوم نفسِه.