وروي أنه آلى عن نسائه شهراً، فمكث في غرفته شهراً، فنزلت آية التخيير، فلما نزلت بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها، فدخل عليها وقال: "إني ملق إليك أمراً، فلا تبادريني فيه بالجواب حتى تؤامري فيه أبويك"، وتلا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ} [الأحزاب: 28] الآيات. فقالت: أفي مثل هذا أؤامر أبوي؟ اخترت الله ورسوله والدار الآخرة، ثم قالت: لا تخبر زوجاتك بذلك، وطلبت أن يخترن الدنيا، فيفارقهن صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل على نسائه، وأخبرهن بما جرى مع عائشة، وكان يتلو عليهن آية التخيير، فاخترن بأجمعهن الله ورسوله والدار الآخرة (?). فثبت بذلك وجوب التخيير عليه صلى الله عليه وسلم.

وذهب بعض الأصحاب إلى أن واحدة منهن لو اختارت الدنيا، لكانت تبين بنفس الاختيار، كما لو خيّر أحدنا زوجته، ونوى تفويض الطلاق إليها، فقالت: اخترت نفسي، ونوت الطلاق؛ فإنها تبين بنفس الاختيار. قال (?): وهذا غير مرضي؛ فإن الآية اقتضت التخيير بين الدنيا وزهرتها وبين الآخرة، ولا يماثل ما يجري بين الزوجين منا.

قال: والأولى في التوجيه أن اختيار إحداهن الدنيا يضاد صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدليل عليه أن هذا القائل يقول: لو اختارت الدنيا، كان يجب على المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يفارقها، والفرقة إذا وجبت، وقعت عندنا، ولهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015