المودَع يخالف تلك الجهة إلى أخرى، وذلك مثل أن يدفع دنانير إلى إنسان ويقول له: اربطها على كمك، فاحتوى عليها المؤتَمن بكفه، فهذا احتياطٌ من وجه، وإن كان مخالفةً لما ذكره المودِع، وقد اختلف طرق الأصحاب في ذلك.
فالطريقة المشهورة نأتي بها على وجهها، ثم نلحق بها غيرَها، فنقول: إن لم يَجْرِ من صاحب الوديعة تنصيصٌ على [كيفية] (?) الحفظ، فلا معترض على المودَع: ربطَ الوديعة في كمه، أو أمسكها في كفه؛ فإن هاتين الجهتين في الحفظ بمثابة بَيْتين في الدار، وكل واحد منهما يتصف بكونه حرزاً معتاداً في مثل الوديعة المفروضة، فالمؤتمن يتخير في حفظ الوديعة في أي بيت شاء.
فأما إذا عين صاحبُ الوديعة نوعاً من الحفظ مثل أن يقول: اربطها في كمك، فاحتوى عليها بكفه، فالربط على الكم يختص بنوعٍ من الاحتياط في بعض الأحوال، فإنه لو غفل أو غلبته عيناه، فالمربوط على الكم لا ينسلّ، ولا يتبتّر (?)، فلو كانت الوديعة في كفه، وغلبته عيناه، لاسترخت أنامله، وانسلت الوديعة.
والضبط في الكف قد يكون أحرز في بعض الأحوال، فإن غاصباً لو أراد [سلب] (?) الوديعة من حافظها، فكونها في الكف أحوط وأضبط من كونها [مربوطة] (?) على الكُم، وكذلك الطَّرار قد يهون عليه [حلّ] (?) الكُمّ، واستخراج ما فيه، ولا يعصم عنه الربط، ولا يتوصل الطرار إلى ما يحتوي المرء عليه بكفه.
فإذا لاح ذلك، ابتنى عليه ما ذكره الأصحاب، قالوا: إن عيّن مالك الوديعة الربطَ على الكم، فضبط المودَعُ في الكف، فضاعت الوديعة، نظر: فإن جاء الضياع من جهة الانتشار والانسلال عند النوم، والغفلة، وجب الضمان؛ فإن الضياع جاء من