غلطٌ في التعرّض لذكر السبب، فالمقصود ارتفاع الحكم الواقع بذلك السبب، وذلك الحكم لا يتصنّف ولا يتفرعّ.
62 - وكان شيخي يذكر هاهنا في وقوع الغلط في تعيين النيّة أقساماً، لا بدّ من ذكرها على إيجاز، فالعبادات تنقسم: فمنها ما يُشترط التعيين في نيّتها، كالصلاة والصوم، ومنها ما لا يُشترط التعيين فيها.
وهذا القسم يَنقسم قسمين: أحدهما - ألا يُشترط التعيين، ولكن لو عيَّن الناوي وغلط، لم يُعتدّ بالعبادة، وهذا كما أنا لا نشترط في نيّة الكفارة التعرض لذكر سببها، ولو نوى من أعتق رقبةً إعتاقها عن يمين، ثمّ تبيّن أنه ما كان حلف، وإنما كان ظاهَر، فالإعتاق لا يقع عن الكفارة التي كانت عليه، وكذلك لو نوى بما يُخرج زكاةَ مالٍ غائب، ثم ظهر له أن ذلك المال كان تالفاً في وقت إخراج الزكاة، فما أخرجه لا ينصرف إلى سائر أمواله. ولو كان نوى بما أخرجه تزكية ماله مطلقاًً، لانصرف إلى ما بقي من ماله الزكاتي. فهذا أحد القسمين.
والقسم الثاني - ألا يضرَّ الغلط في التعيين، وكان يذكر من ذلك ما لو نوى الإمامُ إمامةَ زيدٍ، ثم تبين أن المقتدي به عمرو، فلا يضرّ الغلط في ذلك. ثم كان يقول: حقيقة هذا القسم يؤول إلى أن أصل النية في هذه الصورة غيرُ مشروطٍ في صحّة صلاة الإمام، فإذا عين وأخطأ، لم يضرّ؛ فإن أقصى التقدير بطلانُ النية، ولو لم ينو الإمامُ أصلاً، لصحت صلاتهُ.
ولم يذكر غَلطَ المقتدي في تعيين إمامه، فإن فيه سرّاً سأُظهره في كتاب الصلاة، وكان يُلحق الغلط في تعيين الحدث بالقسم الأخير. وهذا فيه أدنى نظر على موجب تقسيمه؛ فإن أصل النية لا يسوغ تركه في الوضوء.
والذي يكشف الغطاء في ذلك أن المتيمم لو نوى استباحة الصلاة عن الحدث، ثم ظهر له أنه كان جنباً، صح تيمّمه، والغلط من الجنابة إلى الحدث لا أثر له.
ولمّا نقل المزني هذا في التيمم، استشهد عليه بغلط المتوضّىء من حدثٍ إلى حدث.