قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما لكم تدخلون عليّ قُلحاً!! استاكوا " (?).
ومما يتعيّن الاعتناء به في القواعد، أن من الأصول ما يغلب التعبد فيه، وإن ذكر فيه معنى على بعد، لم يقع في رتبة الجليّات، ومنها - ما يظهر المقصود فيه، ولكنه نُقل مع آلةٍ مخصوصةٍ. فأما ما يقع (?) التعبد فيه، فإنه يختص بالآلة المنقولة، كطهارة الحدث، فإنها مختصة بالماء.
ورأى الشافعي أن يُلحِق إزالةَ النجاسة بطهارة الحدث، مع ظهور المعنى المقصودِ فيها؛ فقال بتعيّن الآلة في إزالتها.
وأما الاستنجاء بالأحجار، فالغرض منه ظاهرٌ وهو قلع عين النجاسة، فلمّا ظهر المقصودُ، لم يختصّ بآلة، بل قيل: كل عين طاهرة منشِّفة غير محترمة؛ فهي صالحة للاستنجاء، فالاستياك عندي في معنى الاستجمار، فالغرض منه إزالة القَلَح، إما بقضبان الأشجار، أو خرقةٍ خشنة. وفيه فيما أظن تثوّبٌ (?) خفي من التعبد؛ فإن من تمضمض بغاسول قلاعٍ، فأزال قَلَح أسنانه، فما أراه مقيماً سنةَ الاستياك، وليس ذلك عريّاً عن احتمالٍ بعيد. ولو كان الرجل نقيَّ الأسنان، قويم الطبيعةِ، لا يغشاها قَلَحٌ، فسنة الاستياك لا تسقط عنه. وهذا يقرّبُ معنى التعبد فيه قليلاً.
والوجه القطع بأنه لا يتعين في الاستياك آلة، إذا كان يزيل القلحَ. وما ذكرناه من التمضمض لا يزيل القَلَح، ما لم يتحامل معه على الأسنان بدَلْكٍ. وما ذكرناه من نقاء الأسنان غيرُ سديد، فإن كل أحد يغشاه قَلَح، وإن قلّ.
فهذا تفصيل القول في آلة السواك، غير أن اتباع السلف حسنٌ في كل شيء.