6584 - ثم إن الشافعي صدّر الكتاب بما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما حق امرىء مسلم أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " (?)، وذكر للحديث تأويلين: أحدهما - أنه قال: يحتمل: من الحزم والاحتياط للمسلم ألا يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه، قال: ويحتمل أنه أراد بهذا أمراً بالمعروف على طريق الأولى، وهذا قريب من الأول.

ثم ظاهر الحديث قد يوهم أنه لو كتب كتاب الوصية يكتفى بكتابته، ويعوّل على كتابه، وليس الأمر كذلك عند عامة العلماء، فلا بد وأن يشهد شاهدين عدلين ولا يكفي أن يشهدهما على ما في الكتاب من غير أن يطلعا عليه.

ومما شهر من هفوات بعض الأئمة، وهم من المنتمين إلى أصحابنا ما حكي أن الأمير نصرَ بنَ أحمد (?)، من أمراء خراسان، أراد أن يوصي بوصايا فيكتبها، فيُعمل بكتابه، فاستشار العلماء، فلم يفتوا له بذلك، فاستشار محمدَ بنَ نصر المروزي (?)، فأفتى له بالتعويل على كتابه إذا استوثق فيه، ووضعه على يد مأمون بمشهد أُمناء، واحتج بظاهر الحديث، فحظي عنده، وارتفع قدره.

وأجمع علماء الزمان على تخطئته.

ولا ينبغي أن يجيل الإنسان فكره في هذا الفصل؛ فإنه من أعظم أركان الشهادات وسيأتي القول فيه مستقصىً في موضعه، إن شاء الله تعالى.

6585 - ثم قال الأئمة: الوصايا على ثلاثة أقسام: وصية بعينٍ من الأعيان كالوصية بعبد، أو دابة، أو دار، أو نحوها.

ووصية بجزء شائع مضافٍ إلى المال، كالوصية بالثلث أو الربع، ونحوهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015