والثاني - أنه ينتفي إذا أنكر بعد البلوغ وحلف، فإنه لو ادعى نسبَ بالغٍ، فأنكره، وحلف، لم يثبت النسب، فإذا انفرد المستلحِق بالدِّعوة في زمن الصبا، استحال أن يبطُل أثر الإنكار بعد البلوغ، وسنذكر في ذلك مثالاً في فصل الحرية والرق، إن شاء الله تعالى، ونبيّن قاعدة المذهب في مجموع هذه المسائل.
6128 - والذي نذكره الآن بعد القول فىِ أصل الدِّعوة أن دِعوة الملتقط في اللقيط مقبولةٌ، كما تُقبل دِعوةُ غيرِه فيه.
وقال مالك (?): إن اشتهر أن الملتقط لا يعيش له ولد، فدِعوته مسموعة؛ فإن النبد واللَّقْط محمول على عادةٍ في الناس، تتعلّق بالفأل: فإن من لا يعيش له ولد، ينبد ولدَه، ثم يلتقطه، ومن عَقْد العوام أنه إذا فعل ذلك، عاش المنبوذ. فأما [إذا لم يكن الملتقط] (?) ممن لا يعيش له ولد، فلا يُقبل استلحاقه للّقيط؛ من قبل أن الظاهر يكذبه؛ إذ الإنسان لا ينبد ولده هزلاً.
وهذا الذي ذكره لا أصل له، والقواعد لا تزول بأمثاله.
6129 - ولو اجتمع على اللقيط الملتقِطُ وغيرُه، وتداعيا نسبه، فلا نرجح الملتقط على غيره لمكان يده، بل هو وصاحبه مستويان في الدِّعوة، وسنذكر في الفصل الذي يلي هذا الفصل اجتماعَ المتداعيين في النسب، وإنما لم نرجح جانب الملتقط؛ لأن يدَ الالتقاط لا تدل على مزية في النسب.
وقد قال أئمتنا: إذا صادفنا صبياً تحت تصرّف إنسان، وما عهدناه منبوذاً، فإن كان المتصرِّف فيه بجهات استصلاح الآباء ادّعى نسبه، وجرى له الحكم به، ثم جاء إنسان، وادعى نسبَه، فجانب صاحب اليد مرجح؛ فإن النسب ثبت معتضداً بظاهر اليد، فلا تزحمه دعوى مَنْ لا تصرّف له، ولا يد.