فصل
قال: " ولو أراد الذي التقطه الظَّعْن به ... إلى آخره " (?).
6096 - إذا أراد ملتقط المنبوذ أن يسافر به، قال الشافعي: إن كان أميناًً، وظهرت الثقة به، وعُرفت أمانته، مُكِّن منه، وإلا، فلا يُمكَّن؛ مخافةَ أن يسترقَّه.
فإن قيل: ألستم قدّمتم في أول الباب عند ذكركم من هو من أهل الالتقاط، ومن ليس من أهله، إن الفاسق، ومن لا يؤمَن ليس من أهل التقاط المنبوذ، وإذا كان كذلك، فلا معنى للتفضيل الذي ذكره آخراً، ويجب أن يقال: من كان من أهل الالتقاط، فهو من أهل المسافرة؛ فإنه لا يلتقط إلا أمين موثوقٌ به؟
قلنا: فيما قدمناه ما ينبه على الجواب عن هذا، فإنا قلنا: لا يمتنع الالتقاط ممن هو مستور الحال ظاهره الخير، ثم أوضحنا ما يليق بحال من هذا وصفه، فوقع كلامُ الشافعي في التقسيم دائراً بين من بانت عدالته ظاهراً، وخبرنا سريرته باطناً، وبين المستور.
والجواب فيهما أن من خبرنا سريرته، وعثرنا على حسن سيرته، لا نمنعه من المسافرة؛ ثقةً بما بيّناه من أمانته.
وإن كان مستور الحال، لم نتركه يسافر باللقيط حتى يصير مختبر السيرة والسريرة ظاهراً وباطناً؛ فإنَّا لا نأمن أن يسافر به، فيسترقّه، فهذا محمل كلام الشافعي.
6097 - فإن قيل: هلاَّ حملتم كلامه على التفاصيل التي ذكرتموها في نقل اللقيط من العمران إلى البرية قلنا: ما يمتنع من ذلك، فهو ممتنع على العدل الرضا الذي تثبت عدالته سرّاً وعلناً؛ فإذا كان كذلك، فليس هذا مما يختلف بالأمانة وخفائها، فلا محمل لكلام الشافعي إلا ما ذكرناه.