فصل
معقودٌ فيمن يكون من أهل الالتقاط ومَن لا يكون من أهله،
وهو غمرة الكتاب، وعلى الناظر مزيدُ اعتناءٍ به
5935 - وهذا الفصل يستدعي تقديم أصلٍ في حقيقة اللقطة: وهو أن اللقطة فيها معنى الكسب؛ من جهة أن الملتقط يتملكها إن أراد، وفيها معنى الأمانة؛ من جهة أنها لو تلفت في يد الملتقط في مدة التعريف أو قبل الاشتغال بها، فإنها لا تكون مضمونة على الملتقط، فقد اجتمع فيها معنى الكسب والأمانة، ولا وجه لإنكار اجتماعهما.
وذكر الأئمة قولين مأخوذين من معاني كلام الشافعي في أن الغالب على اللقطة حكمُ الأمانة، أو حكمُ الكسب، ففي ذلك قولان إذاً، وعليهما خروج المسائل:
أحد القولين - أن الأمانة هي الغالبة؛ لأن الالتقاط يقترن به معنى الأمانة وحكمُها، ثم يتمادى إلى انقضاء التعريف، فهذا ناجز متحقَّق، والتملك منتظَر، قد يكون، وقد لا يكون، فليقع التغليب للحكم الحاضر.
والقول الثاني - إن الاكتساب أغلب؛ فإنه مآل الأمر، وعاقبتُه في الغالب، والنظرُ إلى عواقب الأشياء، لا إلى مباديها. وأيضاً، فإن الملتقط ينفرد بالالتقاط. وهذا بعيد -في حق من لا يلي- على قياس الأمانات، فإن الأمين من آحاد الناس من يأتمنه المالك، وهذا هو الأصل، فإذا جاز الانفراد بالالتقاط، كان ذلك حملاً على الانفراد بالاكتساب، ثم حكم الأمانة يثبت ثبوتاً غيرَ غالب.
هذا بيان القولين، وظهورهما بتفريع المسائل عليهما.
5936 - ثم فرّع الأصحاب على القولين مسائلَ: منها التقاط الصبي، ومنها التقاط العبد، والمكاتب، والفاسق، والمبذّر، وقد يجري التقاط الذمّي في آخر الفصل.
فأما الصبيّ المميز إذا التقط، فهو مخرّجٌ على القولين. فإن قلنا: الغالب على اللقطة معنى الأمانة، فليس الصبي من أهلها؛ فإنه ليس ممن يؤتمن، وكيف يؤتمن