قد عم في عادات السلف، ومن بعدهم المهاداة والإتحاف بالتحف، من غير فرض إيجابٍ فيها وقبول.

وهذا لا ينزل منزلة ما عمت به عادات بني الزمان بعد دروس شعار التقوى في الاكتفاء بالمعاطاة في البياعات؛ فإن هذه العادة لا يمكن دعوى إسنادها إلى الأوّلين، بخلاف ما ذكرناه في التحف.

وقد ذهب بعض المصنفين إلى القطع بتصحيح هذا من غير لفظ، وقطع العراقيون باشتراط اللفظ في الإيجاب والقبول، وما ذكروه قياس العقود، ولما أشرنا إليه من أمر العادة وقعٌ في القلب.

ثم إنما [يصار] (?) إلى التوجيه المحمول على العادة فيما يمكن دعوى إسناد العرف فيه إلى الأولين، وهذا فيما أراه يتعلق بالمطعومات، فأما ما يضطرب النظر في ادّعاء العادة فيه، فهو غير ملتحق بتنزيل المعاطاة في البيع منزلة اللفظ.

5830 - ومما يتصل بهذا الركن أن الأب إذا وَهَب من طفله وهو وليه، فقد ظهر اختلاف الأصحاب في أن هبته من الطفل هل تصح بمجرد الإيجاب، أو بمجرد القبول، أم لا بد من الإتيان بهما؟ فمنهم من قال: لا بد منهما، ومنهم من قال: يقع الاكتفاء بأحدهما؛ فإن التخاطب يجري بين اثنين، وهما في حكم ابتداء خطاب وجواب، وهذا لا ينتظم من الشخص الواحد، فاللفظ الواحد منه يعطي معنى العقد.

ثم رأيت الطرق متفقةً على أنا إذا لم نشترط اللفظين، فالاكتفاء بلفظ القبول جائز.

وفي هذا عندي فضل نظر. فأقول: للقبول صيغتان: إحداهما - أن يقول المخاطب بالبيع: اشتريت، إذا قال البائع: بعتُ. والأخرى: أن يقول: قبلت. كذلك يفرض مثل هذا في الهبة، فالمخاطب المتبرَّع عليه يقول: اتَّهبت، ويقول: قبلت. ثم الطالب في البيع يحسن منه أن يبتدىء، فيقول: اشتريت هذا العبدَ بألف، فلو قال: قبلتُ بيع هذا العبدِ بألف، فما أرى ذلك جائزاً؛ فإن هذا صيغة الجواب، والجواب قبل الخطاب لا ينتظم، ولا أشك أنه لو قال: [قبلت] (?) مبتدئاً، كان كلامه لغواً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015