وقالوا: إنه نصٌّ، ونصُّ الشارع لا يتطرق إليه نقضٌ، وحمى الإمام اجتهادٌ، ولا يمتنع نقض الاجتهاد. وقال قائلون فيما ذكره الأئمة، وفيما ذكره الشيخ أبو علي وغيرُه: لو ظهر لنا أن حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لعلّةٍ، ثم تبيّن زوالُ العلة، ففي ردّ حماه إلى حكم العموم وجهان أيضاًً.
ثم من جوّز الردَّ إلى حكم العموم يقول: لا بد من صَدَر ذلك عن رأيٍ متَّبع، من جهة الوالي، ولا نقول: كما (?) زالت العلة، انقطع حكم الحمى، وذلك أن هذا [مختلفٌ] (?) فيه، والهجوم على مخالفة حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُخطرٌ (?)، فلا بد عند من يرى جوازَ الرد إلى حكم العموم من نظرِ صاحب الأمر، فينتظم في جواز نقض الحمى قولان في حمى الإمام، ثم وجهان مرتبان في حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5584 - ومما يجب التنبه له أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد بين الولاة والقضاة ومن جوّز نقض الحمى جوزه عن اجتهادٍ، وقد يُخيِّل ذلك أنه من باب نقض الاجتهاد بالاجتهاد قلنا: المعنيُّ بقول العلماء لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد أن القاضي إذا أمضى حكمه وقضاءه في واقعةٍ، وكان لقضائه مستندٌ من مذهب العلماء، ومتعلّق بالحجة، فإذا أراد قاضٍ بعده أن ينقض قضاءه، لم يجد إليه سبيلاً. وأما الحمى فمن جوّز نقضَه، فليس يأخذه من هذا المأخذ، ولكنه يقول: حَمْيُ الأول كان لمصلحة، فالمتبع المصلحة في كل عصر.
ثم إذا جوزنا للإمام أن ينقض حَمْي إمامٍ قبله، فيجوز للحامي أن ينقض حَمْي نفسه، إذا رأى في ذلك مصلحة، ولا يتوقف جواز النقض على ضرورة مرهقة.
فهذا منتهى الكلام ومأخذه في الحمى، وما يتعلق به ابتداءً ونقضاً انتهاءً.
ولو ابتدر مبتدر، فأحيا قطعةَ أرضٍ مما حماه، فسنذكر هذا مفصلاً، إن شاء الله تعالى.
...