وأما الغامر، فقسمان، قسمٌ لم يجرِ عليه ملكٌ في الجاهلية والإسلام، وهو المَوَات الذي يُملك بالإحياء. وغرض الباب بيان أحكامه، إن شاء الله عز وجل.
وقسم جرى عليه ملكٌ، وذلك ينقسم: قسمٌ جرى عليه ملك، ثم درست العمارة، فهو ملكٌ لمالكه، والأملاك لا تزول بزوال العمارات.
فإن كان مالكه متعيّناً، لم يخف حكمه.
وإن تطاول الزمن، وأشكل المالك في فترات [وانجلى لأهل] (?) النواحي، فهو ملك لمسلم غير متعيّن، والأمر فيه مفوّض إلى رأي الإمام، فإن رأى أن يحفظه ليتبيّن مالكه، أو وارثه، فَعَلَ، وإن رأى أن يبيعه، ويحفظ ثمنه على مالكه، فيفعل من ذلك ما يرى النظر فيه. ثم إن أراد أن يستقرض ذلك على بيت المال، فله ذلك.
ولعلنا نستقصي ما يتعلّق بالفقه من أحكام الإيالة في موضعٍ نوفق له، إن شاء الله تعالى، وأراه لائقاً بأدب القضاء.
هذا إذا كانت الأرض ملكاً للمسلمين، فدرست عمارتها، وغاب ملاكها.
5568 - فأما إذا كان على الأرض عمارة جاهلية، وقد خفي الأمر، ولم يدر كيف جرى استيلاء المسلمين عليها؟ فإذا استبهم كما وصفناه، ففي تملكه بالإحياء قولان منصوصان للشافعي: أحدهما - أنها تملك كما يملك ركازُهم، وإن لم يُدر كيف الاستيلاء، فإن آثارهم القديمة لا معوّل عليها، ولا حُرمة لها.
والقول الثاني - لا تملك بالإحياء؛ فإنها ليست مواتاً، بل قد جرى الملك عليها، والموات هو الذي لم يجر عليها (?) ملك قط. وهذا القائل ينفصل عن الركاز، ويقول: هو عرضةُ الضياع، فلو لم يأخذه أول واجدٍ، لأخذه غيره. ونحن نرى تمليك الملتقط اللقطة، وإن علمناها لمسلم، لقربت مما ذكرناه، كما سيأتي مشروحاً، إن شاء الله تعالى.