ثم جاء تلميذه الغزالي وصاغها صياغة جديدة متكاملة، ووضع أسس البناء لهذه النظرية، التي توسع فيها الشاطبي فيما بعد.
وعبارات إمام الحرمين في أكثر من كتاب له، بل في كل ما عرف من كتبه: تدل على أنه شخصية مستقلة الفكر، وإن انتسب إلى الأشعري اعتقاداً، وإلى الشافعي فقهاً، بل مع تعصبه للشافعي إلى الحد الذي جار على بعض المذاهب الأخرى، وبعض الأئمة مثل أبي حنيفة، كما تجلى ذلك في كتابه (مغيث الخلق في اختيار الأحق)، وفي حديثه -في بعض الأحيان- عن الإمام مالك، واسترساله في المصلحة المرسلة.
استمع إليه، وهو يقول في (الغياثي): " ومعظم المتلقبين بالتصنيف في هذا الزمان السخيف، يكتفون بتبويب أبواب، وترتيب كتاب، متضمَّنه كلامُ من مضى، وعلوم من تصرَّم وانقضى " (?).
وفي موضع آخر يقول:
" ولو ذهبت أذكر المقالات وأستقصيها، وأنسبها إلى قائليها .. لخفت خصلتين: إحداهما: خصلة أحاذرها في مصنفاتي وأتقيها، وتعافها نفسي الأبية وتجتويها، وهي سرد فصل منقول، عن كلام للمتقدمين مقول. وهذا عندي بمنزلة الاختزال والانتحال، والتشبّع بعلوم الأوائل، والإغارة على مصنفات الأفاضل! " (?).
فهو إذن يبحث عن الجديد، ويعاف تكرار القديم.
ثم يقول: " وحق على كل من تتقاضاه قريحته تأليفاً، وجمعاً وترصيفاً: أن يجعل مضمون كتابه: أمراً لا يلفى في مجموع، وغرضاً لايصادَف في تصنيف " (?).
وفي مكان آخر من الكتاب نفسه يقول:
" لست أحاذر إثبات حكم لم يدوِّنه الفقهاء، ولم يتعرض له العلماء؛ فإن معظم