والرجوعُ إلى صاحب الأرض في تخيّر ما شاء من هذه الخلال، فلو قال: بع مني، فليس له أن يقول: بل أُبقّيه بشرط أجرة المثل. ولو قال: بقِّه بشرط الأجرة، فليس لصاحب البناء أن يقول: بل ألزمك قيمته وابتياعه؛ إذ الخيرة إلى المالك.
ثم قال ابنُ سريج: إذا اختار صاحب الأرض قسماً من هذه الأقسام، فلم يرض به صاحب البناء، فيقال له: إما أن ترضى به [وإما] (?) أن تقلع بناءك مجاناً.
وهذا قد فصّلته على نظائرَ وترتيب يقضي اللبيبُ العجبَ من النظر فيه، في كتاب العواري.
وما ذكره ابنُ سريج، هو الذي قطع به معظمُ أئمة المذهب.
5531 - قال الشيخ أبو علي: فيما ذكره ابنُ سُريج نظرٌ عندي، فإني أقول: إذا عيّن صاحبُ الأرض خَصلةً من الخصال الثلاث، فلم يساعده صاحبُ البناء، فله أن يقلع بناءه، ولكنه لا يقلعه مجاناً؛ إذ يستحيل أن يبطُل حقُّه، ويحبَط ملكه، بسبب امتناعه عمَّا له الامتناع منه، حتى يصير في حكم من بنَى على أرضٍ مغصوبة.
وبيان ذلك أنه إذا قال مالك الأرض: "بع مني، فامتنع، فلا سبيل إلى أن يباع عليه ملكه قهراً، ولكن، يقال له: إن بعتَ [منه] (?) فلك ذلك، وإلا فاقلع، ولك أرشُ ما ينقصُه القلع، فأما أن يبقى بشرط الأجرة، فليس ذلك دون رضا مالك الأرض.
فهذا معنى حمله على اختيار صاحب الأرض. واستدل الشيخ في هذا بأن قال: لو اضطُر رفيقُ الرجل، وكان له طعام لا يحتاج إليه، فعليه أن يسلّمه إلى رفيقه بالقيمة، ولو امتنع من تسليم الطعام، أُخذ منه قهراً، ولكن لا يؤخد منه مجاناًً، وتثبت القيمة له، وإن أُجبر.
وحقيقة ما ذكره الشيخ يؤول إلى أن مالك الأرض يخيِّر صاحبَ البناء على القلع، ويغرَم له أرشَ النقص، فأما إذا طلب منه البيعَ، أو التبقية، لم يحمل مالك البناء على ما يطلبه.