والقراءات والحديث، والتفسير، وأصول الدين، والفقه، وأصول الفقه.
وجمع الكثير من مصادر العلم في معارف عصره -بالإضافة إلى ما وجده عند والده- وأقبل على هذه المراجع ينهل منها ويعلّ، في لهفة وشوق، وفي دأب وصبر، مواصلاً الليل بالنهار، يقرأ ويحصل، ويفهم ويهضم.
يقول معاصره عبد الغافر الفارسي: سمعته في أثناء كلامٍ له يقول: "أنا لا أنام ولا آكل عادةً، وإنما أنام إذا غلبني النوم، ليلاً كان أو نهاراً، وآكل إذا اشتهيت الطعام في أي وقت كان! ".
وكان لذته ولهوه ونزهته في مذاكرة العلم، وطلب الفائدة من أي نوع كان.
قال عنه أحد شيوخه في النحو والأدب، وقد قرأ عليه بعض كتبه -وهو إمام الأئمة- مستزيداً من العلم، وطالباً له عند أهله، قال: ما رأيت عاشقاً للعلم -أيَّ نوع كان- مثلَ هذا الإمام؛ فإنه يطلب العلم للعلم (?)!
ونقل عنه السبكي قوله: ما تكلمت في علم الكلام كلمة، حتى حفظت من كلام القاضي أبي بكر (يعني الباقلاني) وحده: اثنى عشر ألف ورقة.
هذا من كلام شخص واحد في علم واحد! فكيف بكلام غيره، وبالعلوم الأخرى التي له فيها اليد الباسطة، والتصانيف المستكثرة: فقهاً وأصولاً وغيرها؟
ومراده بحفظ تلك الكتب: فهمها والقدرة على استحضارها عند الحاجة.
ويحكى أنه قال للغزالي يوماً: يا فقيه: فرأى في وجهه التغير، كأنه استقل هذه اللفظة على نفسه. فقال له: افتح هذا البيت، ففتح مكاناً وجده مملوءاً بالكتب، فقال له: ما قيل لي: يا فقيه (?)، حتى أتيت على هذه الكتب كلها! (?)