فإن أهل خيبر كانوا يهوداً، لا زكاة عليهم، فدلّ [على] (?) أن الخرص كان في حكم المساقاة. ومن أصحابنا من قال: لا يتعلّقُ في المساقاة بالخرص حكمٌ، وحمل ما جرى على معاملةٍ بين المسلمين والكفار، لا يجوز فرض مثلها بين المسلمين بعضهم مع بعض.
فإن أثبتنا للخرص حكماً، فقد تقدم قولان في كتاب الزكاة، في أن الخرص عِبْرةٌ، أو تضمينٌ، وأوضحنا أنا إذا جعلنا الخرص عبرةً، فليس يتعلّق به حكمٌ محقّق. وإذا جعلناه تضميناً، فأثره قطعُ تعلّق الزكاة عن عَيْن الثمار، وردُّها إلى ذمة من عليه الزكاة، وتسليطُه على التصرف في الثمار بجملتها، حتى كأنا ننقُل حقَّ المستحقين من عين الثمار إلى الذمة.
فمن أثبت للخرص حكماً في المساقاة، فقد يعتقد أن حصة المالك بعد تقدير التَّجفيف تنقلب إلى ذمة العامل المخروص عليه، وتصير الثمار بجملتها ملكاً له؛ لضمانه حصةَ المالك.
وهذا لا يجترىء على القول به إلا جسورٌ؛ فإنّ قطعَ ملك المالك عن أعيان الثمار، وردَّه إلى ذمة العامل، من غير معاوضة يهتدي إليها محالٌ، وليس كالزكاة؛ فإن الأصل في ملك النصاب المالك، والزكواتُ حقوقٌ معترِضةٌ. وقد نقول: الأصح أنها لا تتعلق بالمال تعلق استحقاق، فردُّ الزكاة إلى الذمة على شرط الضمان، لا يبعد كلَّ البعد.
وإن قلنا في المساقاة: أثر الخرص أن يتقدر نصيب المالك على العامل، حتى لو ادعى نقصاناً مفرطاً، عما حزره الخارص تقريباً، لم يُقبل منه، إلا أن تعترض جائحة وآفةٌ، فهذا أقرب من نقل حق المالك من العين إلى الذمة، وتمليكِ العامل جميع الثمار، وهذا يضاهي تفريعَنا على قول العبرة في حق الزكاة.
فهذا ما أردناه في ذكر الخرص ومعناه.