الخرص على الملاك لحقوق المساكين، وذكرنا اختلافَ القول في أن الخرص عبرةٌ فيها، أو تضمين، وفرَّعنا على كل قول ما يليق به. ولو [رام] (?) ربُّ الأشجار أن يخرص الثمارَ على العامل، فهل للخرص أثر في ذلك؟ اختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: لا أثر له، وإنما وقع الحكم به في الزكاة توقيفاً، وإلا فهو تخمين، وحدسٌ، ورجمُ ظنٍّ.
ومن أصحابنا من قال: يثبت حكم الخرص هاهنا، كما يثبت في حقوق المساكين. وهذا القائل احتج بحديث عبد الله بن رواحة؛ فإنه خرص على أهل خيبر ثمار النخيل، ولا يمكن حملُ خَرصه على حقوق المساكين، فإنهم ما كانوا ملاك الثمار، والخرصُ في الزكاة على ملاك الثمار، لا على العاملين فيها.
ومن أصحابنا من قال: إنما جرى ذلك الخرص؛ لأن المعاملة كانت مع الكفار، ونحن قد نحتمل في المعاملة مع المشركين، ما لا نحتمله في المعاملة مع غيرهم.
وهذا غيرُ سديد، فإنا إنما نفرق بين المسلم وبين الكافر فيما يتعلق بالموادعة، والعهود، والمواثيق، فأما المعاملات الخاصة المتعلقة بالأموال، فلا ينبغي أن يقع فيها فرقٌ بين المسلم والمشرك.
ثم من أصحابنا من خرّج القولين في جواز المساقاة على ما عدا الكروم والنخيل من الأشجار على القولين في أن الخرص هل يجري في هذه المعاملة؟ وذلك لأن الخرص لا يتأتى فيما عدا النخيل والكروم، فإن ثمار النخيل والكروم عناقيدُ متدلّيةٌ بارزةٌ للناظرين، فيتأتى خرصُها، وما عداها من الثمار مستترٌ بالأوراق فيعسرُ الاطلاع عليها. وهذا البناءُ فيه نظر، لأنا وإن أثبتنا للخرص أثراً إذا جرى، فلا يُشترط إجراؤه في هذه المعاملة على ما سنعيد ذكره، إن شاء الله عز وجل- فلا معنى لأخذ اختلاف القول في جواز المساقاة من هذا المأخذ.