إلى المبالغة في الفور والبدارِ، ومن ألفاظه في ذلك أنه قال: "إن عَلِم، فطلبَ مكانَه، فهي لهُ" (?).
فأول ما نذكره بعد ذكر النص أن معظم أئمتنا صاروا إلى أن الرّجوع في تحقيق الفور إلى العرف، واكتفوا بأن لا يصدر من الشفيع ما يدل على التواني في الطلب، وبنَوْا عليه أنه لو كان ملابساً شغلاً، فبلغه ثبوت الشفعة [له] (?) ولم يكن في استكماله ما هو فيه من الشغل القريب ما يدل على التواني والتأخير، فلا يبطل حقه باستكمال ما هو فيه، وذلك مثل أن يكون في أثناء أكل الطعام، أو يكون في الحمام، أو متحرماً بصلاة نافلةٍ، فهذه الأشغال القريبة إذا أتمها، ثم استفتح، لم يكن مقصراً، وأبعد بعضُ أصحابنا، فقال: تحقيق الفور قطعُ ما هو فيه من هذه الأشغال، وقد أشار القاضي إلى هذا، وعضده بنص الشافعي في وجهٍ من الاحتمال، فإن الشافعي قال: "فطلبه على مكانه، فهي له". ونص في خيار المعتقة -تفريعاً على قول الفور- أنها لو تركت الفسخ ساعة من نهارٍ، بطل حقها، وقال: "لو أخرت أقل زمان بطل حقها". فقد حصلنا على اختلافٍ محقق في هذا.
ولا تبين حقيقة المراد إلا بأمرٍ، وهو أن علة الفور عندنا لا تتضح بما قدمناه، وحاصله أنا لو أثبتنا حق الشفعة -وهو لدفع الضّرار- من غير ربط بالفور، لَتوانَى الشفيعُ، وبقي المشتري غيرَ واثق بشيء من تصرفاته. ثم إن قيل: يُبطل (?) عليه، فسبيله أن يرفع إلى حاكمٍ، فربما يُغَيِّب وجهه، أو يمتنع. وفي العلماء من قال: إذا لم نقل بالفور، لم نبطل على الشفيع حقه. وهذا يُفضي إلى إلحاق ضررٍ بالمشتري يزيد على ما يدفعه الشفيع عن نفسه.
ثم إذا بطل التأبيد، فلا سبيل إلى التحكم بتأقيتٍ من غير توقيف، فلا يبقى إلا المصيرُ إلى الفور، فإن كان الذال على الفور ما ذكرناه، فالذي ذهب إليه الجمهور متجه حسن، وحاصله ألا يبدُوَ منه توانٍ. ومساق هذا لا ينافي استكمالَ الأشغال القريبة.