4591 - وبيان هذه المنازل من طريق التحقيق أن كل ما يقابل العوضَ المبذولَ في الشراء، فالضمان فيه يستقر على المشتري إذا تحقق الفوات، وما لا يقابله عوض الشراء ينقسم إلى ما يستوفيه المشتري، وإلى ما يفوت في يده من غير استيفائه، فأما ما يفوت من غير استيفاء، وليس مقابلاً بالعوض، فإذا غرِمه، رجع به. والسَّبب فيه أنه لم يتلف مضموناً بالعقد لو قُدِّر العقدُ صحيحاً؛ إذ المنافع ليست معقوداً عليها في شراء العين، وكل ما لا يقابله عوض العقد لا يدخل في ضمان العقد.
والذي يحقق ذلك أن من اشترى شيئاً شراء صحيحاً، وانتفع به زمناً، ثم اطلع على عيبٍ ورده؛ فإنه لا يرد لمكان فوات المنافع شيئاً. وكل قبض لا يترتب على جهة ضمانٍ، فلا يكون سبباً لقرار الضّمان؛ فإن الغاصب إذا أودع شيئاًً عند إنسانٍ، فقبله المودَع ظاناً أنه مالك الوديعة، وتلف في يده؛ فإنه إذا ضمن، لم يستقر الضمان عليه. بخلاف ما لو استعار من الغاصب على جهلٍ، أو أخذ منه عيناً على سبيل السوم كذلك؛ فإنه إذا تلف (?) في يده، والجهة جهة ضمانٍ في وضعها، فالضمان يستقر.
وكل ما لا يقابل عوضاًً في الشراء، ولكن أتلفه المشتري، واستوفاه، فتخرّج المسألة على قولين. والسَّبب فيه أن الإتلاف مستَقَر الضمان في وضع الشرع، ولكن البائع غرَّ المشتري، لما سلطه على الانتفاع، وإذا اجتمع الغرور، وإتلاف المغرور، فينتظم قولان: أحدهما - أن القرار على المتلِف، وهو القياس. والثاني - أن القرار على الغارّ. وسيأتي أصل ذلك فيه، إذا قدم الغاصب الطعام المغصوب إلى إنسان، وسلطه على أكله، فأكله ظاناً أنه ملك المقدِّم، فإذا غرِم قيمته للمالك، ففي رجوعه بما غرم على الغار قولان، سيأتي ذكرهما.
فإن قيل: هلا طردتم هذا الخلاف في قيمة الولد المنفصل حياً حراً؟ قلنا: [إنّ] (?) المغرور ليس ينتسب إلى حقيقة إتلافٍ في الولد، فيقوى وقعُ الغرور فيه؛ فإن سبب الحرية اغترار الواطىء الوالد، ولكن موقع هذا الاغترار الغار.