ظهور العفن إلى سقوط قيمة الحنطة بالكلية، وهذا ترك لفحوى كلام الشافعي وإضرابٌ عن نصه؛ فإن قوله: "يتخير المغصوب منه، فإن شاء وإن شاء" - ناصٌّ على أن المالية قد بقيت منها بقية.

ومن أصحابنا من أقر نص الشافعي قراره، وذكر قولاً آخر معه، ووجه القول الثاني لائح، كما ذكرناه، ووجه النص عسر، والممكن فيه أن أرش العفن الساري لا يمكن ضبطه، ولا يمكن إلحاق الحنطة التي ظهر العفن فيها بالتالف بالكلية. فينتظم من ذلك تخير المالك بين أن يكفي نفسه مؤونة الاطلاع على الأرش، وبين أن يسترد عين ماله.

وهذا تكلف؛ فإن الحنطة العفنة إنما تكون على بقية من المالية إذا كان يتأتى استعمالها على حالٍ، وما كان كذلك ينبغي أن يجعل كطعام رطبٍ، قابل للتغايير على قرب الزمان، فليكن صاحبه أولى به على ما هو عليه، وليتعيّن مسلك الاسترداد.

وقد ذكر العراقيون في مسألة العفونة قولين للشافعي: أحدهما - أن المالك يغرّمه المثل ليس له غيرُ ذلك. والثاني - أنه يأخذ عينَ حنطته، كما وجدها، ويرجع عليه بأرش النقصان. وأما القول الثاني، فهو الجواب الثاني الذي حكيناه. وأما القول الأول، فهو مخالف للجوابين اللذين حكيناهما، وذلك أنهم قالوا: نغزمه المثلَ، ونحسبه تالفاً، ولم يثبتوا خِيرةً أصلاً. وهذا بعيد في النهاية، موافق لمذهب أبي حنيفة، فإذا أثبتنا الخيارَ أشارَ إثباتُه (?) إلى تعلق حق المالك بالعين إن أرادها.

وإذا كان الخِيرةُ إلى المالك، وكان ترك الحنطة العفنة مصلحةً له يراها، كان تحكمه على الغاصب لائقاً بالحال، كما قررناه على حسب الإمكان.

فهذا منتهى القول في ذلك.

4568 - ثم ألحق الأئمة بالحنطة العفنة السارية العفونة ما لو غصب دقيقاً، وحلاوة، وسمناً، واتخذ منها حلاوة؛ فإن هذه الأجناس إذا جمعت، وأقيمت أركاناً لحلاوةٍ أمعن تأثير النار فيها، فالحلاوة المجموعة صائرة إلى الفساد، لو لم يبتدر استعمالها. فهذا ما ذكره الأصحاب في ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015