طرق الالتزام، فلو استقرض من رجلٍ بُرّاً، ثم رأى المقرضُ المستقرضَ في غير مكان الاستقراض، فلا يطالبه بالمثل، كما قدمناه في الإتلاف. وكذلك لو استحق عليه شيئاًً من ذوات الأمثال سَلَماً، فالحكم ما ذكرناه إذا التقى المسلِم والمسلَم إليه في غير مكان الاستحقاق.
قال صاحب التقريب: كما لايطالب المسلِم المسلَم إليه في غير مكان الاستحقاق، كذلك لا يطالبه بقيمته أيضاً؛ فإنه لو طالبه بالقيمة، كان ذلك اعتياضاً منه عن المسلم فيه، وكل ما كان فيه معنى الاعتياض عن السلم، فهو مردود.
وهذا الذي ذكره ظاهر القياس. ولكن فيه إشكالٌ يتعلق بأمر كلي، وذلك أن المسلم إليه لو اعتمد الانتقال إلى موضعٍ، وعليه أموال من جهة السلم، فهذا يؤدي إلى انقطاع الطّلبة عنه، فينقدح في ذلك عندنا وجهان، سوى ما ذكره صاحب التقريب:
أحدهما - أنه إذا فعل ذلك عُدَّ هذا تعذراً في المعقود عليه مُثبتاً حقَّ الفسخ، ثم يعود الطلب عند الفسخ إلى رأس المال، ويجري فيه قياس سائر جهات الضمان، ويقع النظر في كونه نقداً، أو مثليا ليس نقداً، أو متقوماً. هذا وجه.
والثاني - أنا إذا قلنا: مَنْ أخذ القيمةَ، ثم استمكن من طلب المثل، ردّها، واسترد المثل، فالقيمةُ على هذا الرأي ليست عوضاً، وإنما أثبتت للحيلولة، فلا يمتنع إثباتها إذا كنا لا نقدرها عوضاً. وهذا فيه مزيد نظر. والله أعلم.
4559 - ومما ذكره الأصحاب في هذا الفصل أن من غصب حنطة ببلدة، ونقلها إلى بلدة أخرى، وأتلفها بها، فقد وجد منه العدوان في مكانين أحدهما - مكان الغصب، والثاني - مكان الإتلاف. فإذا ظفر صاحبُ الحق به في أحد المكانين، كان له مطالبته بالمثل؛ فإنه تحقق تعدّيه في البلدين، ولا ننظر إلى تفاوت الأسعار في الموضعين، لتعلق التعدي بهما. فلو ظفر مستحق الحق بالمتعدّي في موضع ثالث، طالب أقصى قيمة في البلدين. وهذا مستقيم على القياس. وبه انتجز الغرض في هذه الفصول.