الزرع منتهية، ولا بدّ من رعاية حق المستعير، وأقرب المسالك في رعاية حقه تبقيةُ زرعه. هذا ما ذهب إليه الجمهور.
وينضم إلى ما ذكرناه أن تغريم قيمة الزرع قبل الإدراك عسر لا يُهتدى إليه، فإن الزرع إذا كان بقلاً، فعاقبته مجهولة، فإن قومت بقلاً، فهذا إفساد وإحباط، وإن قومت بتقدير إدراكها، فلا مطّلع على هذا، وقيمة البناء والغراس بيّنةٌ في الحال.
ثم قال الأصحاب: ليس للمعير قلعُ الزرع، ولكن لو رجع عن العاريّة، فالمذهب الذي عليه التعويل أنه يستفيد بالرجوع إلزامَ المستعير الزارع أجرةَ المثل، من وقت الرجوع.
وأبعد بعض الأصحاب، فقال: لا يملك ذلك، والمنافعُ صارت في حكم المستوفاة، والمستعير إذا استوفى المنافع، لم يلتزم بعد استيفائها [أجرةً] (?) وهذا حكاه العراقيون، وهو بعيد.
ومن تمام القول في ذلك أنه لو ضرب في إعارة الأرض للزرع مدّة، فاتفق استئخار الزرع في الحصاد عن منتهاها بسبب اختلاف الهواء، فلا يُقلع الزرع وراء المدة أيضاً، للترتيب الذي قدمناه.
هذا مسلك أئمة المذهب.
4532 - وذكر صاحب التقريب وراء ذلك تصرفاً حسناً، نحكيه على وجهه: فقال: من أقّت إعارة عرصة للبناء، فإذا بنى المستعير، فظاهر المذهب أن للمعير أن يرجع ويقلعَ قبل انقضاء المدة، ويغرمَ أرش النقص، كما مهدناه قبلُ. قال صاحب التقريب: لا يمتنع أن نقول ليس له أن يقلع كما ذكرناه في الزرع، والجامعُ بيِّن، ثم انعطف على الزرع، وقال: إذا قلنا: للمعير في العارية المؤقتة قَلْعُ البناء قبل انقضاء الوقت، فلا يمتنع أن نقول: له أيضاً قلعُ الزرع قبل الإدراك، فخرّج في كل واحدةٍ من المسألتين جواباً من أصل المذهب، من الأخرى (?).