فلا نُلزمه شيئاًً باطناً لذلك الثالث، كما لا يلزمه ظاهراً. وإن كان على بصيرةٍ في إقراره، وقد يستندُ إقرارُه على مشاهدة لا يُمكنُ التماري فيها، وذلك إذا ماتت امرأةٌ وخلّفت ابنين، وكان شاهَدَ أحدُهما ولداً ثالثاً انفصل منها. قال: إذا كان كذلك، فهل يلزمه أن يدفع ممَّا في يده شيئاًً إلى المقَر له؟ فعلى وجهين: أحدهما - لا يلزمه؛ إذ لو لزمه باطناً، للزمه ظاهراً؛ فإنه بإقراره أظهر ما قدرنا ثبوته باطناً، وهو من أهل الإقرار والإظهار.
والثاني - يلزمه في الباطن؛ لأن الطّلبة في الظاهِر تتعلق بثبوت النسب ولم يثبت ظاهراً، ولكنه ثابتٌ في علم الله تعالى، فإذا لم يجر ما يقتضي في الظاهر ثبوت النسب، فلا طلب ظاهراً. وإذا تحققه المرءُ باطناً، لزمه أن يشركه باطناً، لعلة الباطن، لا لقوله الظاهر. هذه طريقة.
والطريقة الثانية - أنه حكى خلافاًً ظاهراً في أنه هل يجب على المقر تشريك المقَر له ظاهراً؟ فعلى وجهين: أحدهما- وهو الذي يوافقُ النصَّ، أنه لا يجب. والثاني - يجب، وهو مذهبُ أبي حنيفة (?)؛ يؤاخذ به ظاهراً وحكم الباطن منوطٌ بالتحقيق والثبوت في علم الله تعالى. وهذا قد يُعزَى إلى ابن سُريج، وهو مخالفٌ للنصّ.
فإن قلنا: لا يشارك المقَرّ له المقِر أصلاً، وهو ظاهر المذهب، فلا كلام. وإن قلنا: يشارك المقَر له المقِر، ففي مداره وجهان: ذكرناهما. والوجهان يوافقان مذهبين لإمامين: أحدُهما- ابنُ أبي ليلى والثاني أبو حنيفة. ونحن نذكر مذهب كل واحدٍ منهما في المقدار الذي يستحقُّه الثالث المقَر به مما في يد المقر، وإذا بان المذهبان، فهما الوجهان المنسوبان إلى أصحابنا.
4478 - أما مذهبُ ابن أبي ليلى، فليقع الفرض في ابنين أقر أحدهما بابنٍ ثالثٍ، وأنكر الثاني، فيقول ابن أبي ليلى: يغرَم المقر للمقر له ما كان يغرمه، لو (?) أقر صاحبه بهِ. وبيان ذلك: أن الابنين لو أقرا بثالثٍ، وتصادقا، لكان ذلك الثالث مستحقَّ ثلثِ التركة، فتصور ابنين يقتسمان التركة ثم يبدو ابنٌ ثالثٌ، ويثبت نسبه ببينةٍ،