والغرض التعرض للسَّفَه والتبذير والرشد المناقض لهما، ولكنّ نظمَ الكلام يقتضي ذكرَ زوال الصبا، والنظرُ بعد زواله في الرشد والسفه. والصّبي في الإطلاق غيرُ مكلَّف، وكأن الشرعَ لم يُلزم الصبيَّ قضايا التكليف بسببين: أحدهما - أنه في مظنة الغباوة وضعف القصد، فلا يستقل بأعباء التكليف. والثاني - أنه عري عن البلية العظمى وهي الشهوة. ثم ربط الشرعُ التزام التكليف بأمدٍ، أو تركّب الشهوة، أمّا الأمد فيُشير إلى التهذب بالتجارب، وأما تركب الشهوة؛ فإنه تعرض للبلايا العظام، فرأى الشرع تثبيت التكليف معه زاجراً، وإن اتفق ذلك دون الأمد المعتبر في البلوغ.
4069 - فأما الأمد، فمذهب الشافعي أن بلوغ الغلام والجارية يحصل باستكمال خمسَ عشرةَ سنة. هذا هو المذهب.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً بعيداً في أن البلوغَ يحصل بالطعن في السنة الخامسة عشرة، من غير استكمال. وهذا لا أصلَ له. هذا قولنا فيما يتعلق بالزمان.
4070 - فأمّا تركب الشهوةِ، فلا مُطَّلعَ عليه إلا من جهة العلامة، حتى نذكر العلامة في الغلام والجارية والخنثى.
فأمّا الغلام فعلامة تركّب الشهوة فيه انفصالُ المني، وقد وصفناه في كتاب الطّهارة. ثم اختلف أصحابنا في أقلّ السّن الذي يُفرض بلوغ الغلام بالاحتلام فيه، فقال قائلون: إنه يحتلم (?) إذا استكمل العاشرة. ولو فرض انفصال ما نراه على صفة المني في التاسعة، فهذا نادرٌ.
وقد مضى القول في كتاب الحيض فيما يُفرض ندورُه في الحيض، وأقلِّه وأكثرِه.
والمتبع في هذه الأبواب الوجودُ، واتباع الأولين، وقد أشبعنا القول في ذلك على أقصى الإمكان.
وإنما الذي نُجريه الآن ذكرُ كلام الأصحاب، خلافاً ووفاقاً، على ما تقرّر عندهم في حكم العادة. هذا قولنا في سبب بلوغ الغلام.