في مسلك الرأي أن يُقرِضَ ما يتحصل مَليّاً وفيّاً؛ فإن أعيان الأموال قد تضيع، والدين في ذمة المليء الوفي أقربُ إلى الثبوت. وقد ذكرنا في تصرف القُوَّام أنهم لو شاؤوا (?) أن يُقرضوا مالَ الطفل على موجَب المصلحة، فلا معترضَ عليه.
3978 - ثم قال صاحب التقريب: إذا أراد القاضي أن يبتدىء قسمةَ المال، لم يُحوج الغرماء أن يقيموا بيِّنةً على أنه لا غريمَ للمحجور غيرُنا. وقد نقول: لا يقسم الحاكم التركة بين ورثة المتوفَّى، حتى تقوم بينة من أقوام ذوي خبرة بباطن أمر المتوفى أنهم لا يعرفون [له] (?) على طول المخالطة والخبرة وارثاً سوى الحاضرين. وسيأتي ذلك في كتاب الدعاوى، إن شاء الله عز وجل.
قال صاحب التقريب: إذا حجر القاضي، وشَهَر حجرَه، وأشاعه في الناس، كفى ذلك في حصول الغلبة على الظن بأنه لا غريم له سوى هؤلاء؛ إذ لو كانوا لظهروا. ولما حجر عمر رضي الله عنه على الجهني، اكتفى بأن شَهَر الحجرَ بذكره إياه في أثناء الخطبة. وما ذكره صاحب التقريب حسن. ولكن لا فرق عندنا بين القسمة على الغرماء، والقسمة على الورثة، فحيث نقول: لا بد من إقامة الشهادة على أن لا وارث، فلا بد من مثله في القسمة على الغرماء.
3979 - وممّا يتعلق بتمام الفصل أن القاضي إذا قسم ما وجد من ماله على غرمائه، واعترف الغرماء بأن لا مال له سوى المقسوم علينا، فهل يُحكَم بانطلاق الحجر عنه، أم لا بد أن يتولى القاضي إطلاقَه؟ فعلى وجهين في طريقة العراق: أحدهما - أنه لا حاجة إلى إطلاقه؛ فإن موجَب الحجر قد زال. والثاني - أنه لا بد من الإطلاق؛ فإن ذلك مجتهَدٌ فيه، وقد تمس الحاجة إلى مزيد بحث، فليتوقف الأمر على إطلاق القاضي، حسماً للمادّة، وقطعاً للتهمة، وكما لا يثبت الحجر ابتداء من غير ضرب، ينبغي ألا ينحلّ انتهاءً من غير رفعٍ، وليس كحجر الجنون والصبا، على ما سيأتي ذكرهما في كتاب الحجر، إن شاء الله تعالى.