فأما رهنها مطلقاًً، فكيف السَّبيل فيه؟ نرسم صوراً ونرتب بعضها على بعض.
فنبدأ برهن الثمار قبل بدو الصّلاح فيها، ونفرض رهنها بالدين الحال. فنقول: إذا رهنت بالدين الحال مطلقاًً من غير شرط القطع، ففي صحة الرهن قولان، ذكرهما صاحبُ التقريب وغيرُه: أحدهما - أن الرهن يفسد كما يفسد البيع على هذا الوجه، والرهن يتبع البيع في الصحة والفساد. والثاني - أنه لا يفسد لمعنيين: أحدهما - أن الحلول في الرهن قرينةٌ حالّة محل شرط القطع؛ فإنّ مبنى الرهن بالدين الحال أن الرهن إذا كان بحيث يتسارع الفساد إليه، فإنه يباع على فوره، ويصرف ثمنه إلى الدين، أو يوضع رهناً. فإذا كنا نصحح رهنَ ما يتسارع إليه الفساد بالدين الحال حملاً على ما ذكرناه، فرهن الثمار بالدين الحال قبل بدوُّ الصلاح أولى؛ فإن ما يتوقعه من تعرّضها للصّواعق وغيرها من الآفات أبعد من توقع الفساد، فهذا أحد المعنيين.
والثاني - أنا لا نشترط في الرهن من الاحتياط ما نشترطه في البيع؛ والسبب فيه أن حق المرتهن الأصلي دينه، ودينه لا يسقط بفوات الرهن؛ ومقصود البيع يضيع بتلف المعقود عليه. وهذا المعنى فيه ضعف، وإن ذكره الأئمة. والمعنى الأول كافٍ.
هذا إذا كان الرَّهن بدين حال.
3760 - فأما إذا كان بدين مؤجل نُظر: فإن كان الصَّلاح لا يبدو قبل حلول الأجل، بل الأجل يحل أولا، فلو رهن الراهن هذه الثمارَ على شرط أن [لا] (?) تباع بشرط القطع، ففي صحة الرهن قولان مشهوران: أحدهما - لا يصح، كما لا يصح البيع في نظير هذا. ومن اشترى ثماراً لم يبد الصلاح فيها على شرط أن يقطعها بعد يوم، فالبيع يفسد لتضمنه شرط التبقية، ولو في زمن قريب، فليكن الرهن كذلك.
والثاني - أن الرهن يصح، ولم يوجه الأصحاب هذا القولَ إلا بالمعنى الثاني الضعيف، الذي ذكرناه في صورة الرهن بالدين الحالّ. فقالوا: البيع لو بني على الغرر، خيف سقوط العوض والمعوض بتقدير التلف، والرهن لو ضاع، لم يضع الدين به.