فإذا وضح هذا فلو اجتاح الثمارَ جَائحةٌ سماوية من صاعقة، أو حرٍّ أو بَردٍ، وما ضاهاها من العَاهاتِ، فما يتلف من الثمارِ بسبب الجوائح أهي من ضمان البائع أم من ضمان المشتري؟
المنصوص عليه في الجديد أنه من ضمان المشتري وهذا هو القياس؛ فإنّ ما جَرى من التسليم إليه سَلّطَه على التَصرُّفات المفتقرة إلى كمالِ القبضِ، فدل على حصول القبضِ كاملاً، وهذا يتضمَّن احتسابَ التالف على المشتري.
والقول الثاني -وهو المنصوص عليه في القديم- أن ما يتلف بالجوائح، فهو من ضمان البائع، فإن تلفت الثمارُ بجملتها، انفسخ البيعُ، وارتد الثمن إلى المشتري، ولو تلف بعضُها، انفسخ البيعُ فيه، وخرج القولُ في الباقي على قَوْلَيْ تفريقِ الصفقةِ.
وهذا القائل احتج بما رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع السنين" "وأمر بوضع الجوائح" (?) وقد عرض هذا الحديث على الشافعي فقال: هذا الحديث رواه سفيان بن عُيينةَ عن [حُمَيْد] (?) بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد اللهِ مراراً، ولم يذكر وضعَ الجوائح، ثم روى وضعَ الجوائح، وقال: "كان قبله كلامٌ [فنسيتُه] (?) ثم رأيت أَروي ما أذكر"، قال الشافعي: فلعلَّ الكلامَ الذي كان (?) قبله شيء يدل على أن وضع الجوائح مستحبٌّ، لا واجب. ثم قال الشافعي: لولا أن سفيان وهَّن الحديثَ الذي رواه لقُلتُ به، وأراد بتوهينه إياه سكوتَه عن رواية وضع الجوائح أوّلاً، ثم تردُّدُه في كلامٍ كان قبل وضعِ الجوائحِ.